كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)

شَتمْتُما قائلًا بالحقِّ مقتديًا (¬1) ... عند الخليفةِ والأقوالُ تنتَضِلُ
شَتَمْتُماه على رَفْعي ووَضْعِكما ... لا زلتُما في انحطاط أيُّها السَّفِلُ
ثم قام جرير، فقبل رأس الأعرابيّ وقال: يا أمير المؤمنين، جائزتي له. وكانت خمسةَ عشرَ ألفًا في كل سنة، فقال عبد الملك: وله مثلُها من مالي. فأعطاه إياها (¬2).
[وقال هشام ابن الكلبيّ: ] كان عبد الملك يفضّل الأخطل على جرير، فحضرا يومًا عنده، فأنشد الأخطل:
وإني لَقوَّامٌ مقاماتٍ (¬3) لم يكن ... جريرٌ ولا مولى جريرٍ يقومُها
فقال جرير: أجل والله، إنك تقومُ (¬4) إلى الخمر فتشربه، وإلى الخنزير فتذبحه وتأكله، وإلى الصليب فتسجد له وتقبِّلُه، وجريرٌ ما يفعل شيئًا من ذلك (¬5).
ومن أحسن ما قال جرير:
إنَّ الذين غَدَوْا بقلبك (¬6) غادروا ... وَشَلًا بعينك ما يزالُ مَعِينا (¬7)
غَيَّضْنَ مِنْ عَبَراتهنَّ وقُلْن لي ... ماذا لَقِيتَ من الهوى ولَقِينا
وسمع ابنُ السائب المخزومي (¬8) هذين البيتين -وكان من ظراف الناس، وكان صائمًا- وقد قام إلى صلاة المغرب، فلمَّا صلَّى المغرب وقُدِّمت إليه المائدة قال:
¬__________
(¬1) كذا في (ب) و (خ) وأصل "مختصر تاريخ دمشق" 6/ 42 (كما ذكر محققوه في حاشيته). وفي "البداية والنهاية"، 13/ 43، وملحق "ديوان" جرير 2/ 1034: مهتديًا.
(¬2) الخبر في "تاريخ دمشق" من رواية الكلبي، كما في "مختصره" 6/ 41 - 43، وكذا أورده ابن كثير في "البداية والنهاية" 13/ 42 - 43 من رواية هشام بن محمد الكلبي عن أبيه. وهو في "الأغاني" 8/ 40 - 42 بنحوه أطول منه، من رواية المدائني. ومن قوله: وفد جرير على عبد الملك فاستأذنه في الإنشاد ... إلى هذا الموضع، ليس في (ص).
(¬3) في (ص): مقامًا. وفي "مختصر تاريخ دمشق" 6/ 44: مقاوم.
(¬4) في (ص): لتقوم.
(¬5) الخبر في "تاريخ دمشق" كما "مختصره" المذكور في التعليق قبله. ولم يرد الكلام بعده في (ص) حتى نهاية الترجمة.
(¬6) كذا في (ب) و (خ)، و"المنتظم" 7/ 330. وفي "تاريخ بغداد" 11/ 214، و "الديوان" 1/ 386: بلُبِّك.
(¬7) قال ابن حبيب في شرح "الديوان": الوَشَل: الماء السائل شيئًا بعد شيء. والمَعِين: الظاهر.
(¬8) هو عبد الله بن السائب، أبو السائب المخزومي المديني، ذكره الخطيب في "تاريخ بغداد" 11/ 131 وقال: "قدم الأنبار على أبي العبّاس السفّاح"، وأورد له هذا الخبر في ترجمة عبد الله بن عبد الرحمن المدائني =

الصفحة 494