كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 10)

فبكى جرير بكاءً شديدًا، فقيل له: أتبكي على رجل يهجوك وتهجوه منذ أربعين سنة؟ ! فقال: إليكم عنّي، فواللهِ ما تسابَّ رجلان، ولا تناطح كبشان؛ فمات أحدهما؛ إلا تَبِعَه الآخر عن قريب. ثم قال:
لعمري لئن كانَ المُخَبِّرُ صادقًا ... لقد عَظُمتْ بلوى تميمٍ وجَلَّتِ
فلا حملَتْ بعدَ الفرزدقِ حُرَّةٌ ... ولا ذاتُ حمل في نِفاسٍ تعلَّتِ
هو الوافدُ المجبورُ والدافع الأذى (¬1) ... إذا النَّعلُ يومًا بالعشيرة زَلَّتِ
[وفي رواية أن جريرًا قال:
مات الفرزدق بعد ما جدَّعْتُهُ (¬2) ... ليتَ الفرزدقَ كان عاشَ طويلا
فقيل له: بئس ما قلت! أتهجو ابنَ عمِّك بعد الموت، لو رثيته كان أولى بك. فقال: واللهِ إني لأعلم أن بقائي بعده قليل. فعاش أربعين يومًا (¬3).
وقيل: إن جريرًا مات بعده بأربعة أشهر، وإنهما ماتا في سنة عشر ومئة، ويدلُّ عليه أنَّ الحسن صلى عليه إن ثبتت الرواية.
واختلفوا في مقدار عمره، فقال هشام: ] عاش تسعين سنة. وقيل: قارب المئة، ومات بعلَّة الذُّبَيلة (¬4).
وأسند [الفرزدق] عن عليٍّ، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخُدري، والحُسين بن عليّ، - رضي الله عنه -، [وقد ذكرنا أنَّه لقيه في طريق العراق وهو متوجّه إليها].
وروى عن الفرزدق أولاده، وهم: لَبَطَة، وخَبَطَة، ورَكَضَة، وسبطة، والحنطبا.
¬__________
(¬1) كذا في النسخ (ب) و (خ) و (ص). وفي "مختصر تاريخ دمشق " 27/ 138 (والكلام من أصله "تاريخ دمشق"): هو الوافد المحبوّ والرافع الثَّأَى. وفي "طبقات فحول الشعراء" 2/ 417، و"الأغاني" 21/ 387 (والبيتان الأخيران فيه): هو الوافد المأمون والراتق الثَّأَى. وفي "ديوان" جرير 2/ 636: هو الوافد المحبوّ والحاملُ الثَّأَى. والثَّأَى: الجِراح.
(¬2) في "الأغاني" 21/ 387: جرَّعتُه.
(¬3) ينظر: طبقات فحول الشعراء 2/ 416، والأغاني 8/ 88 و 21/ 387، والتذكرة الحمدونية 4/ 229.
(¬4) ينظر الأغاني 2/ 387، والمنتظم 7/ 152.

الصفحة 508