كتاب اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 10)

وإنما خالَف سُليمانُ داوُدَ مع أنهما لا يحكُمان إلا بالحقِّ؛ لأن حُكمهما إنْ كان بالوَحْي فالثَّاني ناسِخٌ له، وإنْ كان بالاجتِهاد فالثَّاني أَصوَب، وإن كانا كلاهما صوابًا.
قال (ك): على أنَّ الضَّمير في: (فقَضَى) يحتمل أنَّه راجِعٌ إلى داوُد، وجاز النَّقض لدليلٍ أَقوى.
وقيل: الصَّغائر جائزةٌ عليه لا سيَّما بالسَّهْو، وفي ما قالَه نظَرٌ، فإنْ قيل: لما اعترفَ الخصمُ بأنَّ الحقَّ لخصمه؛ فكيف حكَم له؟، قيل: لعلَّه عَلِم بالقَرينة أنه لا يُريد حقيقة الإقرار، أو كأنها أقرَّتْ بذلك على تقدير الشَّقِّ.
وهذا كما قال الفُقهاء: إذا قال المقِرُّ للمُقَرِّ له: اجعلْه في الصُّندوق، أو خُذْه، أو زِنْه، أو نحوه؛ فإنه لا يكون إقْرارًا.
وَحَكَمَ به للصُّغرى لأنه ثبتَ عنده ما يقتضي الحُكم، أو أنَّ القَرينة في دينهِ كالبيِّنة.
وقال (ن): استدلَّ سُليمان -عليه الصلاة والسلام- بشفَقة الصُّغرى على أنها أُمُّهُ، وأما الكبرى فما كرهتْ ذلك بل أرادتْه لتُشارِكَها صاحبتُها في المُصيبة بفَقْد ولَدها.
وأما داود فيحتمل أنه قضَى للكُبرى لشَبَهٍ رآه فيهما، أو أنه كان في شريعته التَّرجيح بالكُبرى، ولكونه كان في يَدِها، وكان ذلك مرجحًا في شرعه.
وأما سُليمان فتوصَّل بطريقٍ من المُلاطَفة إلى معرفة باطن القضيَّة، فأوهمها أنه يُريد قَطْعه ليَعرف مَن يَشُقُّ قطْعُه عليها، فلمَّا

الصفحة 10