كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 10)

باب بيانِ اليَوْمِ الَّذِي فيه خرجَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منْ مَكة وإلَى مِنَى، ومِقدَارِ مقامِه بِمنَى، وأنَّه دفعَ منْ منَى يوم عرَفةَ لمَّا طلَعَتِ الشَّمسُ فَلَمْ يَزَلْ بِالمَشْعَر وجازَهُ حتى نَزَلَ بِنَمِرَة في قُبَّةٍ ضُرِبَتْ لَه مِنْ شَعْرٍ وهِيَ عرَفات، وأنَّه لمَّا زَاغَتِ الشَّمسُ رَكِبَ رَاحِلتَه وأتَى بَطْنَ الوادِي فخَطبَ النَّاس، ثُم أذَّنَ ثُمَّ أقام فصلى الظُّهرَ، ثُمَّ أقام فصَلَّى العَصرَ ولَمْ يَتَطَوَّعْ بينهُما، ثُم ركبِ حتى أتَى المَوْقِف واستَقْبَلَ القِبْلَةَ وَوَقَفَ حتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، والدّليلُ على أنَّ السُّنَّة في المُهلّ بِالحجّ من مكة أن يهل يوم التَّروِية قبلَ صلاةِ الظُّهرِ ويَخرُجَ فَيُصَلّي الظُّهر بِمِنَى
3922 - حدَّثنا أبو داود السِّجزي (¬1)، حدَّثنا النُّفَيلِي، وعُثْمَان ابن أبي شَيْبَة، وهِشام بن عمَّار، وسُليمان بن عبد الرحمن، قالوا: حدَّثنا حاتِم بن إسمَاعيل (¬2)، ح.
-[86]- وحدَّثنا محمد بن حيَّويه، حدَّثنا إسحاق (¬3)، حدَّثنا حاتِم، ح.
وحدَّثنا أبو عُمر عبد الحميدِ بن محمد بن المُستَام، حدَّثنا أبو جعفر عبد الله بن محمد النُّفَيلِي، حدَّثنا حاتِم بن إسماعيل المَدنِي، حدَّثنا جَعْفَر ابن محمد، عن أبِيه قال: دخَلْنَا على جابِر بن عبد الله، فلمَّا انْتَهَيْنَا إليه سأَلَ عن القومَ حتَّى انتَهَى إليَّ، فقلتُ: أنَا محمد بن عليّ بن حُسين، فأهْوَى بِيَدِه إِلَى رَأْسِي، فقلتُ له: أخبرْني عن حَجَّةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرَ صدْرًا من الحديثِ قالَ فيه: فلمَّا كانَ يوم التَّروية ووجَّهوا إلى مِنَى أهَلُّوا بِالحجِّ، وركِبَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بِمَنىً الظُّهرَ والعصرَ، والمَغْرِبَ والعِشاءَ والصُّبحَ، ثُمَّ مكثَ قليلًا حتَّى إذا طلعَت الشَّمسُ أمرَ بِقُبَّةٍ لَه منْ شَعْرٍ، فَضُرِبَتْ له بِنَمِرَه (¬4)، فسَارَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تَشُكُّ قُريشٌ أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ بِالمُزْدَلِفَةِ كمَا كانتْ قريشٌ تصنعُ في الجاهِلِيَّة، فأجازَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتَّى أتى عرفةَ فوجدَ القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ بِنَمِرَة فنَزَلَ بِهَا، حتَّى إذَا زاغَتِ الشَّمسُ أمرَ بِالقَصْوَاءِ (¬5) فَرُحِلَتْ له فَرَكِبَ، حتَّى أتَى بطْنَ الوادي
-[87]- فخطبَ النَّاسَ فقال: "إنَّ دِمَاءَكُم وأموالَكُم عليكُم حرامٌ كَحُرْمَةِ يومِكُم هذا، في شَهْرِكُم هذا، في بلدِكم هذا، ألاَ وإنَّ كُلَّ شيءٍ من أمرِ الجَاهِلِيَّةِ موضوعٌ تحتَ قدَمَيَّ هاتينِ، ودمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ موضُوعَة، وأوَّلُ دمٍ أضعُ دَمَ ابنَ ربيعَة بن الحارِثِ كانَ مُسْتَرْضَعًا في بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، ورِبَا الجَاهِلِيةِ مَوْضُوعٌ، وأوَّلُ رِبًا أضَعُ رِبَا عبَّاسِ بن عبد المُطَّلِبِ فإنَّه مَوْضُوعٌ كُلُّه، اتَّقُوا الله في النِّسَاءِ، فإنكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأمانةِ الله، واسْتَحْلَلْتُم فُروجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى، وإنَّ لَكُم عَلَيْهِنَّ ألَّا يُوْطِئْنَ فُرُشَكُم أحدًا تَكْرَهُونَه، فإنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُن غَيْرَ مُبَرِّحٍ، ولَهُن عليكُم نَفَقَتُهُن كسْوَتُهُن بِالمَعْرُوفِ، وإنِّي قَدْ تَرَكْتُ فيكُم مَا (لَنْ) (¬6) تَضِلُّوا بعدَهُ إن اعْتَصَمْتُم بِه كتابَ الله، وأنْتُم مسئُولُون
-[88]- عَنِّي فَمَا أَنْتُم قَائِلُون؟ " قالوا: نَشْهَدُ أنَّك بَلَّغْتَ وأَدَّيْتَ ونَصَحْتَ، فقالَ بإصْبَعِه السَّبَّابة يَرْفَعُها إلَى السَّمَاء ويَنْكُبُها (¬7) إِلى النَّاس: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ" ثُمَّ أذَّنَ فأقَامَ فصلَّى الظهْرَ، ثُمَّ أقامَ فصلَّى العَصْرَ لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُما شيئًا، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ حتَّى أتَى المَوْقِفَ فجَعَلَ بطْنَ نَاقَتِه القَصْوَاءِ إلى الصَّخَراتِ (¬8)، وجعلَ جَبَلَ المُشَاةِ بين يديه واستَقْبَلَ القِبْلَةِ، فلَمْ يَزَلْ واقِفًا حتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حينَ غَابَ القُرْصُ، وأرْدَفَ أسامة خلْفَه، فَدَفَع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقدْ شَنَقَ (¬9) القصواءَ الزِّمامُ، حتَّى إنَّ رأسَها
-[89]- ليُصِيبُ مَوْرِكَ (¬10) رَحْلِه ويقُولُ بِيَدِهِ هَذِهِ: "السَّكِيْنَةُ أيُّهَا النَّاس" (¬11).
¬_________
(¬1) سُليمان بن الأشعث السِّجستاني، والحديث في سُننه (ص 220، ح 1905) عن عبد الله بن محمد النُّفيلي، وعثمان بن أبي شيبة، وهشام بن عمَّار، وسليمان ابن عبد الرحمن الدمشقيان به، قال أبو داود: "وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشيء".
(¬2) موضع الالتقاء مع مسلم في الإسناد الأول والثالث.
(¬3) ابن إبراهيم الحنظلي، المعروف بابن راهويه، وهو موضع الالتقاء مع مسلم في الإسناد الثاني.
(¬4) نَمِرة: موضِعُ المسجد المعروف في صعيد عرفات على حافة وادي عُرنَة.
انظر: معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص 205).
(¬5) القَصْوَاء: -بالفتح والمدِّ- لقبُ ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي المقطوعة الأُذُن أو مشقوقة =
-[87]- = الأذن، وقال الدَّاودِي: "سُمِّيَتْ بذلِك من السَّبْقِ لأنهَّا كانتْ لا تَكَادُ تُسْبَقُ، كان عندها أقصَى الجَرْي".
انظر: غريب الحديث لابنِ سَلَّام (2/ 20)، مشَارِق الأنوار (2/ 189)، النهاية في غريب الحديث (4/ 75).
(¬6) جاء في نسخة (م) "لم" بدل "لَن"، والأداة الأنسب للسياق ومعنى الكلام أداة "لن"، فإن أداة "لم" تحوِّل معنى المضارع إلى الماضى، وهو معنى غير مقصود في الحديث، أمَّا أداة "لن" فتفيد استمرار النفي في المستقبل، وهي التي جاءت في لفظ مسلم (2/ 890، ح 147).
انظر: مختصر مغني اللَّبيب للشيخ ابن عثيمين (ص 100، 102).
(¬7) يَنْكُبُها: -بباء موحّدة- معناه يَرُدُّها ويُقَلِّبها إلَى النَّاس، مُشِيرا إليهم، ومنه: نكب كتابته: إذا قلبها، وفي لفظ مسلم: "يَنْكُتُها" -بالمثناة الفوقية- وهو بَعِيدُ المَعْنَى كما قال القاضي عياض.
انظر: إكمال المعلم (4/ 278)، شرح النووي على مسلم (8/ 413).
(¬8) الصَّخَرات: هي صَخَراتٌ مُفْتَرَشَة في أسفلِ جبلِ عرفةَ الوَاقِع في الجِهَةِ الشَّرقِيَّة الشّمالِيَّة من عرفة، ويُسَمَّى اليومَ جبلُ الرَّحْمَة.
انظر: شرح النووي على مسلم (8/ 414)، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص 32).
(¬9) شَنَقَ: ضمَّ وضَيَّق، يُقالُ: شَنَق زِمَامَ نَاقَتِه، أي ضَمَّه إليه كَفًّا لها عن الإسْراع والزِّمام للنَّاقة كالرَّسن للدَّوابٌ، وقال صاحب القاموس المحيط: "شَنَقَ البعيرَ يشْنُقه ويَشْنِقُه: كفَّه بزمامه حتَّى ألْزَقَ ذِفْرَاه بِقادِمَةِ الرَّحْلِ.
انظر: غريب الحديث للحربي (1/ 308)، شرح النووي على مسلم (8/ 415)، =
-[89]- = تفسير غريب ما في الصحيحين (ص 216)، القاموس المحيط (ص 828).
(¬10) مَوْرِك: المَوْرِكُ والمَوْرِكَة المُرْفَقَة الَّتي تكونُ عندَ قادمةِ الرَّحْلِ يَضَعُ الرَّاكِبُ رِجْلَهُ عليها لِيَسْتَرِيحَ منْ وضعِ رِجْلِه في الرِّكَاب.
انظر: النهاية في غريب الحديث (5/ 175).
(¬11) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب حجَّة النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- (2/ 886 - 892، ح 147) عن أبي بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، جميعا عن حاتم بن إسماعيل به مطوَّلًا، وفرَّقه أبو عوانة في مواضع عن حاتم بن إسماعيل، وتقدَّم مُفرَّقًا أيضا من طرقٍ عن جعفر بن محمد به.
من فوائد الاستخراج:
• زاد أبو عوانة على الإمام مسلم من طرق الحديث عن حاتم بن إسماعيل أربعة طرق، وهي:
• طريق أبو جعفر النفيلي، وطريق عثمان بن أبي شيبة، وطريق هشام ابن عمار، وطريق سليمان بن عبد الرحمن.
• تصريح حاتِم بن إسماعيل بالتَّحديث عن جعفر بن محمد.

الصفحة 85