كتاب روح البيان (اسم الجزء: 10)
اى حمد الحامدين وهو الثناء بذكر الأوصاف الجميلة والافعال الجزيلة وتقديم الجار والمجرور للدلالة على تأكيد الاختصاص وازاحة الشبهة بالكلية فان اللام مشعر بأصل الاختصاص قدم او أخر أى له الملك وله الحمد لا لغيره إذ هو المبدئ لكل شىء وهو القائم به والمهيمن عليه المتصرف فيه كيف يشاء وهو المولى لاصول النعم وفروعها ولولا انه أنعم بها على عباده لما قدر أحد على ادنى شىء فالمؤمنون يحمدونه على نعمه وله الحمد فى الاولى والآخرة واما ملك غيره فاسترعاء من جنابه وتسليط منه وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده فللبشر ملك وحمد من حيث الصورة لا من حيث الحقيقة
با غير او اضافت شاهى بود چنان ... بر يك دو چوب پاره ز شطرنج نام شاه
وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لان نسبة ذاته المقتضية للقدرة الى الكل سوآء فهو القادر على الإيجاد والاعدام والأسقام والإبراء والإعزاز والاذلال والتبييض والتسويد ونحو ذلك من الأمور الغير المتناهية قال بعضهم قدرة الله تصلح للخلق وقدرة العبد تصلح للكسب فالعبد لا يوصف بالقدرة على الخلق والحق لا يوصف بالقدرة على الكسب فمن عرف انه تعالى قادر خشى من سطوات عقوبته عند مخالفته وامل لطائف نعمته ورحمته عند سؤال حاجته لا بوسيلة طاعته بل بكرمه ومنته وفى التأويلات النجمية ينزه ذاته المسبحة المقدسة عن الأمثال والاضداد والاشكال والانداد ما فى السموات القوى الروحانية وما فى ارض القوى الجسمانية له ملك الوجود المطلق وله الحمد على نعمة ظهوره فى الوجود المقيد وهويته المطلقة قادرة على ظهورها بالإطلاق والتقييد وهى فى عينها منزهة عنهما وهما نسبتان اعتباريتان هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ خلقا بديعا حاويا لجميع مبادى الكمالات العلمية والعملية ومع ذلك فَمِنْكُمْ كافِرٌ اى فبعضكم او فبعض منكم مختار للكفر كاسب له حسبما تقتضيه خلقته ويندرج فيه المنافق لانه كافر مضمر وكان الواجب عليكم جميعا ان تكونوا مختارين للايمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتفرع عليها من سائر النعم فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنهم منه بل تشعبتم شعبا وتفرقتم فرقا قال فى فتح الرحمن الكفر فعل الكافر والايمان فعل المؤمن والكفر والايمان اكتساب العبد لقول النبي عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة وقوله فطرة الله التي فطر الناس عليها فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الايمان لان الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق الله إياه يختار الكفر لان الله تعالى قدر عليه ذلك وعلمه منه وهذا طريق اهل السنة انتهى وفى الآية رد للدهرية والطبيعية فانهم ينكرون خالقية الله تعالى والخالق هو المخترع للاعيان المبدع لها (حكى) ان سنيا ناظر معتزليا فى مسألة القدر فقطف المعتزلي تفاحة من شجرة وقال للسنى أليس انا الذي قطفت هذه فقال له السنى ان كنت الذي قطفتها فردها على ما كانت عليه فأفحم المعتزلي وانقطع وانما ألزمه بذلك لان القدرة التي يحصل بها الإيجاد لا بد أن تكون صالحة للضدين فلو كان تفريق الاجزاء بقدرته لكان فى قدرته وصلها ومن أدب من
الصفحة 3
552