بالأحاديث الواردة في اليمين كقوله: "شاهداك أو يمينه" (¬1). وغيره، ولم يذكر معها تغليظ؛ ولذلك بوب البخاري (¬2): باب: يحلف المدعَى عليه حيثما وجبت عليه اليمين ولا يصرف من موضع إلى غيره، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "شاهداك أو يمينه". ولم يخص مكانًا دون مكان. انتهى. وهذا من جودة فقه البخاري وقوة استنباطه، ولا يعترض عليه بما بوب قبله: باب: اليمين بعد العصر. وذكر فيه حديث أبي هريرة (¬3): "ثلاثة لا يكلمهم الله ... " الحديث، وفيه: "ورجل ساوم بسلعته بعد العصر". انتهى. ولعله يقول: ورد التغليظ بالزمان فيكون خاصا كما في الحديث، وكما في قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} (¬4). وقد فسرت بصلاة العصر، إلا أنه يرد عليه: القياس يقضي بالتغليظ بالكان قياسًا على الزمان. واحتج الجمهور لهذا بحديث جابر وحديث أبي أمامة مرفوعًا: "من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا". أخرجه النسائي (¬5) ورجاله ثقات، وأخرج الكرابيسي (¬6) في "أدب القضاء" بسند قوي إلى سعيد ابن المسيب قال: ادعى مدع على آخر أنه اغتصب له بعيرًا، فخاصمه إلى عثمان، فأمره عثمان أن يحلف عند المنبر، فأبى أن يحلف وقال: أحلف له
¬__________
(¬1) تقدم في ص 62.
(¬2) البخاري 5/ 284 عقب ح 2672.
(¬3) البخاري 5/ 284 ح 2672.
(¬4) الآية 106 من سورة المائدة.
(¬5) النسائي في الكبرى 3/ 492 ح 6019.
(¬6) الكرابيسي -كما في الفتح 5/ 285.