كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 10)

حَدِيثَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ". فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَنَاتِ بَلِيَّةٌ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهِنَّ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ مَا يَقِي مِنَ النَّارِ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ". وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ" وَضَمَّ أَصَابِعَهُ، خَرَّجَهُمَا أَيْضًا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ! وَخَرَّجَ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا وَأَسْبَغَ عَلَيْهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَسْبَغَ عَلَيْهِ كَانَتْ لَهُ سِتْرًا أَوْ حِجَابًا مِنَ النَّارِ". وَخُطِبَ إِلَى عَقِيلِ بْنِ عُلْفَةَ ابْنَتُهُ الْجَرْبَاءُ فَقَالَ:
إِنِّي وَإِنْ سِيقَ إِلَيَّ الْمَهْرُ ... أَلْفٌ وَعُبْدَانٌ وَخُورٌ «١» عَشْرُ
أَحَبُّ أَصْهَارِي إِلَيَّ الْقَبْرُ

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ:
لِكُلِّ أبى بنت يراعى شئونها ... ثَلَاثَةُ أَصْهَارٍ إِذَا حُمِدَ الصِّهْرُ
فَبَعْلٌ يُرَاعِيهَا وَخِدْرٌ يُكِنُّهَا ... وَقَبْرٌ يُوَارِيهَا وَخَيْرُهُمُ الْقَبْرُ
(أَلا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ) أَيْ فِي إِضَافَةِ الْبَنَاتِ إِلَى خَالِقِهِمْ وَإِضَافَةِ الْبَنِينَ إِلَيْهِمْ. نَظِيرُهُ" أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى " أي جائرة، وسيأتي «٢».
---------------
(١). الخور: جمع خوارة على غير قياس،. هي الناقة الغزيرة اللبن.
(٢). راجع ج ١٧ ص ١٠٢.

الصفحة 118