كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 10)

فَكَأَنَّهُ مُعَدٌّ عِنْدَهُ، قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قال: في العرش مثال كل شي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَهُوَ تَأْوِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ". وَالْإِنْزَالُ بِمَعْنَى الْإِنْشَاءِ وَالْإِيجَادِ، كَقَوْلِهِ:" وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ «١» " وَقَوْلِهِ:" وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ «٢» ". وَقِيلَ: الْإِنْزَالُ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ، وَسَمَّاهُ إِنْزَالًا لِأَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ إِنَّمَا تنزل من السماء.

[سورة الحجر (١٥): آية ٢٢]
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢)
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" الرِّياحَ" بِالْجَمْعِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِالتَّوْحِيدِ، لِأَنَّ مَعْنَى الرِّيحِ الْجَمْعُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهَا لَفْظَ الْوَاحِدِ. كَمَا يُقَالُ: جَاءَتِ الرِّيحُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. كَمَا يُقَالُ: أَرْضٌ سَبَاسِبُ «٣» وَثَوْبٌ أخلاق. وكذلك تفعل العرب في كل شي اتَّسَعَ. وَأَمَّا وَجْهُ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَعَتَهَا بِ (لَواقِحَ) وَهِيَ جَمْعٌ. وَمَعْنَى" لَواقِحَ" حَوَامِلَ، لِأَنَّهَا تَحْمِلُ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَالسَّحَابَ وَالْخَيْرَ وَالنَّفْعَ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَجَعَلَ الرِّيحَ لَاقِحًا لِأَنَّهَا تَحْمِلُ السَّحَابَ، أَيْ تُقِلُّهُ وَتُصَرِّفُهُ ثُمَّ تَمْرِيهِ «٤» فَتَسْتَدِرُّهُ، أَيْ تُنَزِّلُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا «٥» " أَيْ حَمَلَتْ. وَنَاقَةٌ لَاقِحٌ وَنُوقٌ لَوَاقِحُ إِذَا حَمَلَتِ الْأَجِنَّةَ في بطونها. وقيل: لوافح بِمَعْنَى مُلَقَّحَةٌ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَلَكِنَّهَا لَا تُلَقِّحُ إِلَّا وَهِيَ فِي نَفْسِهَا لَاقِحٌ، كَأَنَّ الرِّيَاحَ لقحت بخير. قيل: ذَوَاتُ لَقْحٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ، أَيْ مِنْهَا مَا يُلَقِّحُ الشَّجَرَ، كَقَوْلِهِمْ: عِيشَةٌ رَاضِيَةٌ، أَيْ فِيهَا رِضًا، وَلَيْلٌ نَائِمٌ، أَيْ فِيهِ نَوْمٌ. وَمِنْهَا مَا تَأْتِي بِالسَّحَابِ. يُقَالُ: لَقِحَتِ النَّاقَةُ (بِالْكَسْرِ) لَقَحًا وَلَقَاحًا (بِالْفَتْحِ) فَهِيَ لَاقِحٌ. وَأَلْقَحَهَا الفحل أي ألقى إليها
---------------
(١). راجع ج ١٥ ص ٢٣٤.
(٢). راجع ج ١٧ ص ٢٦٠.
(٣). السبب: الأرض المستوية البعيدة.
(٤). مرت الريح السحاب: إذ أنزلت منه.
(٥). راجع ج ٧ ص ٢٢٨. [ ..... ]

الصفحة 15