كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 10)

ثم قال- والله لا أدخلها أبدا دُمْتُ حَيًّا وَلَا يُصِيبُنِي مِنْهَا قَطْرَةٌ" ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَخَرَّجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لِسُرَادِقِ النَّارِ أَرْبَعُ جُدُرٍ كُثُفٍ «١» كُلُّ جِدَارٍ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً". وَخَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّرَادِقَ مَا يَعْلُو الْكُفَّارَ مِنْ دُخَانٍ أَوْ نَارٍ، وَجُدُرُهُ مَا وُصِفَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُهْلُ مَاءٌ غَلِيظٌ مِثْلُ دُرْدِيِّ «٢» الزَّيْتِ. مُجَاهِدٌ: الْقَيْحُ وَالدَّمُ. الضَّحَّاكُ: مَاءٌ أَسْوَدُ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَسَوْدَاءُ، وَمَاؤُهَا أَسْوَدُ وَشَجَرهَا أَسْوَدُ وَأَهْلُهَا سُودٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ كُلُّ مَا أُذِيبَ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ مِنْ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ ونحاس وقصدير، فَتَمُوجُ بِالْغَلَيَانِ، فَذَلِكَ الْمُهْلُ. وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ. وَقَالَ: الْمُهْلُ ضَرْبٌ مِنَ القطران، يقال: مهلت البعير فهو ممهول. وفيل: هُوَ السُّمُّ. وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبٌ. وَفِي التِّرْمِذِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ" كَالْمُهْلِ" قَالَ:" كَعَكَرِ الزَّيْتِ فَإِذَا قَرَّبَهُ إِلَى وَجْهِهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ" قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ وَرِشْدِينُ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. وَخَرَّجَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله:" وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ «٣» " قَالَ:" يُقَرَّبُ إِلَى فِيهِ فَيَكْرَهُهُ فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ إذا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى" وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ «٤» " يَقُولُ" وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً" قَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ، وَأَنَّهَا مُرَادَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهَا أَهْلُ اللُّغَةِ. فِي الصِّحَاحِ" الْمُهْلُ" النحاس المذاب. ابن الاعرابي: المهل لمذاب من
---------------
(١). الكثف: جمع كثيف، وهو الثخين الغليظ.
(٢). الدردي (بالضم): ما يبقى في الأسفل.
(٣). راجع ج ٩ ص ٥١ ٣.
(٤). راجع ج ١٦ ص ٢٣٦.

الصفحة 394