كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 10)

صَلَاتِهِ. وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ وَلَا أَعْقَلَ وَلَا أَوْرَعَ مِنَ الشَّافِعِيِّ. وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ الْقَاضِي، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ وَشَرْحُ أَقْوَالِهِمْ.
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَدْعُو لَهُ فِي صَلَاتِهِ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ أَحْمَدُ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينَهَا» . قَالَ فَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُولَى، وَالشَّافِعِيُّ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عن نصر بْنِ مَعْبَدٍ الْكِنْدِيِّ- أَوِ الْعَبْدِيِّ- عَنِ الْجَارُودِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا قُرَيْشًا فَإِنَّ عَالِمَهَا يملأ الأرض علما، اللَّهمّ إنك إذ أذقت أولها عذابا ووبالا فَأَذِقْ آخِرَهَا نَوَالًا» .
وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: لَا يَنْطَبِقُ هَذَا إِلَّا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ. حَكَاهُ الْخَطِيبُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ: هُوَ صَدُوقٌ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ مَرَّةً: لَوْ كان الكذب له مباحا مُطْلَقًا لَكَانَتْ مُرُوءَتُهُ تَمْنَعُهُ أَنْ يَكْذِبَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: الشَّافِعِيُّ فَقِيهُ الْبَدَنِ، صَدُوقُ اللِّسَانِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَدِيثٌ غَلِطَ فِيهِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ إِمَامَ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ- وَقَدْ سُئِلَ هَلْ سُنَّةٌ لَمْ تَبْلُغِ الشَّافِعِيَّ؟ - فَقَالَ: لَا.
وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهَا تَارَةً تَبْلُغُهُ بِسَنَدِهَا، وَتَارَةً مُرْسَلَةً، وَتَارَةً مُنْقَطِعَةً كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: سُمِّيتُ بِبَغْدَادَ نَاصِرُ السُّنَّةِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: مَا رَأَيْنَا مثل الشافعيّ ولا هو رأى مِثْلَ نَفْسِهِ. وَكَذَا قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ فِي كِتَابٍ جَمَعَهُ فِي فَضَائِلِ الشَّافِعِيِّ: لِلشَّافِعِيِّ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ لِغَيْرِهِ، مِنْ شَرَفِ نَسَبِهِ، وَصِحَّةِ دِينِهِ وَمُعْتَقَدِهِ، وَسَخَاوَةِ نَفْسِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَسَقَمِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَحِفْظِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَسِيرَةَ الْخُلَفَاءِ وَحُسْنِ التَّصْنِيفِ، وَجَوْدَةِ الْأَصْحَابِ وَالتَّلَامِذَةِ، مِثْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي زُهْدِهِ وَوَرَعِهِ، وَإِقَامَتِهِ عَلَى السُّنَّةِ. ثُمَّ سَرَدَ أَعْيَانَ أَصْحَابِهِ مِنَ الْبَغَادِدَةِ وَالْمِصْرِيِّينَ، وَكَذَا عَدَّ أَبُو دَاوُدَ مِنْ جُمْلَةِ تَلَامِيذِهِ فِي الْفِقْهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ. وقد كان الشافعيّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَأَشَدِّ الناس نزعا لِلدَّلَائِلِ مِنْهُمَا، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ قَصْدًا وَإِخْلَاصًا، كَانَ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ تَعَلَّمُوا هَذَا الْعِلْمَ وَلَا يُنْسَبُ إِلَيَّ شَيْءٌ مِنْهُ أبدا فأوجر عَلَيْهِ وَلَا يَحْمَدُونِي. وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ: إِذَا صَحَّ عِنْدَكُمُ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا بِهِ وَدَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي أَقُولُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تسمعوا منى.

الصفحة 253