كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 10)

وعندي أنَّه سمي بذلك تأكيدًا لتحريمه؛ لأنَّ العرب كانت تتقلب فيه فتحله عامًا وتحرمه عامًا. قال: ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم نسبة المحرم إلى الله تعظيمًا كقوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} (¬1)؛ لأنه أشرف المكاسب و {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (¬2) نسبها إليهم لأنها أوساخ الناس.
قال القرطبي: والله أعلم من أجل أن المحرم أول السنة المستأنفة التي لم يجيء بعدُ رمضانُها، فكان استفتاحها بالصوم الذي هو من أفضل الأعمال وهو ضياء فاستفتح السنة بضياء يمشي فيه بقيتها (¬3).
وقد استدل النووي وغيره بهذا الحديث أن أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان، شهر الله المحرم. ويحتمل أن يراد أنَّه أفضل شهر تطوع بصيامه كاملًا بعد رمضان، فأما التطوع ببعض شهر فقد يكون أفضل من بعض أيامه كصيام عرفة وعشر ذي الحجة فيشهد لهذا ما خرجه الترمذي من حديث علي؛ أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أخبرنى بشهر أصومه بعد رمضان. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كنت صائمًا شهرًا بعد رمضان فصم المحرم فإنَّه شهر الله، وفيه يوم تاب الله فيه على قوم، ويتوب فيه على آخرين" (¬4).
قال النووي: ويلي المحرم في الفضيلة شعبان.
¬__________
(¬1) الشمس: 13.
(¬2) التوبة: 60.
(¬3) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 235.
(¬4) "سنن الترمذي" (741)، وأحمد في "مسنده" 1/ 154 - 155.

الصفحة 536