كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 10)

ذي الحجة، وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها صار العمل فيه وإن كان مفضولًا أفضل من العمل في غيره وإن كان فاضلًا، ولهذا (قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله) ثم استثنى جهادًا واحدًا هو أفضل الجهاد فقال (إلا رجل) قال الزركشي: فيه وجهان:
أحدهما: إن الاستثناء متصل أي: إلا عمل رجل؛ لأنه استثناء من العمل.
وثانيهما: إنه منقطع، أي: لكن رجل يخاطر بنفسه فلم يرجع بشيء (خرج) إلى الجهاد (بنفسه وماله) رواية البخاري: "إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله" (¬1). ومعنى "يخاطر بنفسه" أي: يكافح العدو بنفسه وجواده وسلاحه ويوقع نفسه في الهلاك تقربًا إلى الله، فهذا أفضل الجهاد والعمل فيه أفضل في هذِه الأيام وفي غيرها من غيره (فلم يرجع من ذلك) أي: مما خرج به (بشيء) وقوله: يرجع يحتمل أن يكون معناه لا يرجع بشيء من ماله ويرجع هو بنفسه، ويحتمل أن يكون معناه لا يرجع هو ولا شيء مما خرج به بأن يرزقه الله الشهادة في سبيل الله؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- سئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: "أن يعقر جوادك، ويهراق دمك". رواه ابن حبان من رواية جابر (¬2) وسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلَّا يَقول: اللهم آتني أفضل ما يؤتى عبادك الصالحين فقال له: "إذن يعقر
¬__________
(¬1) "صحيح البخاري" (969).
(¬2) "صحيح ابن حبان" (4639).

الصفحة 558