كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 10)

يَتَأَخَّرُونَ، وَأَهْلُ الْبَلَدِ يَتْبَعُونَهُمْ، وَيَطْمَعُونَ فِيهِمْ، وَكَانَ الْكُفَّارُ قَدْ كَمَّنُوا لَهُمْ كَمِينًا، فَلَمَّا جَاوَزُوا الْكَمِينَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَلَدِ، وَرَجَعَ الْبَاقُونَ الَّذِينَ أَنْشَبُوا الْقِتَالَ أَوَّلًا، فَبَقُوا فِي الْوَسَطِ، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ شُهَدَاءَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَلْفًا عَلَى مَا قِيلَ.
فَلَمَّا رَأَى الْبَاقُونَ مِنَ الْجُنْدِ وَالْعَامَّةِ ذَلِكَ ضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ، فَقَالَ الْجُنْدُ، وَكَانُوا أَتْرَاكًا: نَحْنُ مِنْ جِنْسِ هَؤُلَاءِ وَلَا يَقْتُلُونَنَا، فَطَلَبُوا الْأَمَانَ، فَأَجَابُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَفَتَحُوا أَبْوَابَ الْبَلَدِ، وَلَمْ يَقْدِرِ الْعَامَّةُ عَلَى مَنْعِهِمْ، وَخَرَجُوا إِلَى الْكُفَّارِ بِأَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَقَالَ لَهُمُ الْكُفَّارُ: ادْفَعُوا إِلَيْنَا سِلَاحَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَدَوَابَّكُمْ وَنَحْنُ نُسَيِّرُكُمْ إِلَى مَأْمَنِكُمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذُوا أَسْلِحَتَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ وَضَعُوا السَّيْفَ فِيهِمْ وَقَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ.
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ نَادَوْا فِي الْبَلَدِ أَنْ يَخْرُجَ أَهْلُهُ جَمِيعُهُمْ، وَمَنْ تَأَخَّرَ قَتَلُوهُ، فَخَرَجَ جَمِيعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَفَعَلُوا مَعَ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ مَعَ أَهْلِ بُخَارَى مِنَ النَّهْبِ، وَالْقَتْلِ، وَالسَّبْيِ، وَالْفَسَادِ، وَدَخَلُوا الْبَلَدَ فَنَهَبُوا مَا فِيهِ، وَأَحْرَقُوا الْجَامِعَ وَتَرَكُوا بَاقِيَ الْبَلَدِ عَلَى حَالِهِ، وَافْتَضُّوا الْأَبْكَارَ، وَعَذَّبُوا النَّاسَ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ فِي طَلَبِ الْمَالِ، وَقَتَلُوا مَنْ لَمْ يَصْلُحْ لِلسَّبْيِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ.
وَكَانَ خُوَارَزْم شَاهْ بِمَنْزِلَتِهِ كُلَّمَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ عَسْكَرٌ سَيَّرَهُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، فَيَرْجِعُونَ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهَا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخِذْلَانِ ; سَيَّرَ عَشَرَةَ آلَافِ فَارِسٍ فَعَادُوا كَالْمُنْهَزِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَسَيَّرَ عِشْرِينَ أَلْفًا فَعَادُوا أَيْضًا.

ذِكْرُ مَسِيرِ التَّتَرِ الْكُفَّارِ إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ وَانْهِزَامِهِ وَمَوْتِهِ
لَمَّا مَلَكَ الْكُفَّارُ سَمَرْقَنْدَ عَمَدَ جِنْكِزْخَانْ، لَعَنَهُ اللَّهُ، وَسَيَّرَ عِشْرِينَ أَلْفَ فَارِسٍ. وَقَالَ لَهُمُ: اطْلُبُوا خُوَارَزْم شَاهْ أَيْنَ كَانَ، وَلَوْ تَعَلَّقَ بِالسَّمَاءِ، حَتَّى تُدْرِكُوهُ وَتَأْخُذُوهُ.
وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ تُسَمِّيهَا التَّتَرُ الْمُغَرِّبَةَ لِأَنَّهَا سَارَتْ نَحْوَ غَرْبِ خُرَاسَانَ لِيَقَعَ الْفَرْقُ

الصفحة 341