كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 10)

جَرِيدَةً، لِيَسْتُرَ نَفْسَهُ وَيَكْتُمَ خَبَرَهُ، وَعَادَ إِلَى مَازَنْدُرَانَ وَرَكِبَ فِي الْبَحْرِ إِلَى هَذِهِ الْقَلْعَةِ.
وَكَانَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ الْفَقِيهَ كَانَ حِينَئِذٍ مَأْسُورًا، وَهَؤُلَاءِ التُّجَّارُ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا بِهَمَذَانَ، وَوَصَلَ خُوَارَزْم شَاهْ، ثُمَّ وَصَلَ بَعْدَهُ. مَنْ أَخْبَرَهُ بِوُصُولِ التَّتَرِ، فَفَارَقَ هَمَذَانَ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا هَؤُلَاءِ التُّجَّارُ فَارَقُوهَا، وَوَصَلَ التَّتَرُ إِلَيْهَا بَعْدَهُمْ بِبَعْضِ نَهَارٍ، فَهُمْ يُخْبِرُونَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ ; وَلَمَّا وَصَلَ خُوَارَزْم شَاهْ إِلَى هَذِهِ الْقَلْعَةِ الْمَذْكُورَةِ تُوُفِّيَ فِيهَا.

ذِكْرُ صِفَةِ خُوَارَزْم شَاهْ وَشَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ
هُوَ عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلَاءِ الدِّينِ تُكَشَ، وَكَانَ مُدَّةُ مُلْكِهِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً وَشُهُورًا تَقْرِيبًا، وَاتَّسَعَ مُلْكُهُ، وَعَظُمَ مَحَلُّهُ، وَأَطَاعَهُ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ، وَلَمْ يَمْلِكْ بَعْدَ السَّلْجُوقِيَّةِ أَحَدٌ مِثْلَ مُلْكِهِ، فَإِنَّهُ مَلَكَ مِنْ حَدِّ الْعِرَاقِ إِلَى تُرْكِسْتَانَ، وَمَلَكَ بِلَادَ غَزْنَةَ، وَبَعْضَ الْهِنْدِ، وَمَلَكَ سِجِسْتَانَ، وَكَرْمَانَ، وَطَبَرِسْتَانَ، وَجُرْجَانَ، وَبِلَادَ الْجِبَالِ، وَخُرَاسَانَ، وَبَعْضَ فَارِسَ، وَفَعَلَ بِالْخَطَا الْأَفَاعِيلَ الْعَظِيمَةَ، وَمَلَكَ بِلَادَهُمْ.
وَكَانَ فَاضِلًا، عَالِمًا بِالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ مُكْرِمًا لِلْعُلَمَاءِ مُحِبًّا لَهُمْ مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ، يُكْثِرُ مُجَالَسَتَهُمْ وَمُنَاظَرَاتِهِمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ صَبُورًا عَلَى التَّعَبِ وَإِدْمَانِ السَّيْرِ، غَيْرَ مُتَنَعِّمٍ، وَلَا مُقْبِلٍ عَلَى اللَّذَّاتِ، إِنَّمَا هَمُّهُ فِي الْمُلْكِ وَتَدْبِيرِهِ، وَحِفْظِهِ وَحِفْظِ رَعَايَاهُ، وَكَانَ مُعَظِّمًا لِأَهْلِ الدِّينِ، مُقْبِلًا عَلَيْهِمْ، مُتَبَرِّكًا بِهِمْ.
حَكَى لِي بَعْضُ خَدَمِ حُجْرَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ عَادَ مِنْ خُرَاسَانَ، قَالَ: وَصَلْتُ إِلَى خُوَارَزْمَ، فَنَزَلْتُ وَدَخَلْتُ الْحَمَّامَ، ثُمَّ قَصَدْتُ بَابَ السُّلْطَانِ عَلَاءِ الدِّينِ، فَحِينَ حَضَرْتُ لَقِيَنِي إِنْسَانٌ، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَنَا مِنْ خَدَمِ حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَنِي بِالْجُلُوسِ، وَانْصَرَفَ عَنِّي قَلِيلًا، ثُمَّ عَادَ إِلَيَّ وَأَخَذَنِي وَأَدْخَلَنِي إِلَى دَارِ السُّلْطَانِ، فَتَسَلَّمَنِي مِنْهُ حَاجِبٌ مِنْ حُجَّابِ السُّلْطَانِ،

الصفحة 343