كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 10)

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّنَا ذَكَرْنَا سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ مَا فَعَلَهُ التَّتَرُ بِالْكَرَجِ، وَانْقَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ وَهُمْ فِي بِلَادِ الْكَرَجِ، فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ سَارُوا مِنْ نَاحِيَةِ الْكَرَجِ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَوْكَةً قَوِيَّةً، وَمَضَايِقَ تَحْتَاجُ إِلَى قِتَالٍ وَصِرَاعٍ، فَعَدَلُوا عَنْهُمْ، وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَتُهُمْ، إِذَا قَصَدُوا مَدِينَةً وَرَأَوْا عِنْدَهَا امْتِنَاعًا عَدَلُوا عَنْهَا، فَوَصَلُوا إِلَى تِبْرِيزَ، وَصَانَعَهُمْ صَاحِبُهَا بِمَالٍ وَثِيَابٍ وَدَوَابَّ، فَسَارُوا عَنْهُ إِلَى مَدِينَةِ مَرَاغَةَ، فَحَصَرُوهَا وَلَيْسَ بِهَا صَاحِبٌ يَمْنَعُهَا، لِأَنَّ صَاحِبَهَا كَانْتَ امْرَأَةً، وَهِيَ مُقِيمَةٌ بِقَلْعَةِ رُوَينْدِزَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» ".
فَلَمَّا حَصَرُوهَا قَاتَلَهُمْ أَهْلُهَا، فَنَصَبُوا عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ، وَزَحَفُوا إِلَيْهَا، وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ إِذَا قَاتَلُوا مَدِينَةً قَدَّمُوا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يَزْحَفُونَ وَيُقَاتِلُونَ، فَإِنْ عَادُوا قَتَلُوهُمْ، فَكَانُوا يُقَاتِلُونَ كَرْهًا، وَهُمُ الْمَسَاكِينُ، كَمَا قِيلَ: كَالْأَشْقَرِ إِنْ تَقَدَّمَ يُنْحَرْ وَإِنْ تَأَخَّرَ يُعْقَرْ، وَكَانُوا هُمْ يُقَاتِلُونَ وَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ الْقَتْلُ فِي الْمُسْلِمِينَ الْأُسَارَى، وَهُمْ بِنَجْوَةٍ مِنْهُ.
فَأَقَامُوا عَلَيْهَا عِدَّةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ مَلَكُوا الْمَدِينَةَ عَنْوَةً وَقَهْرًا رَابِعَ صَفَرٍ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِي أَهْلِهَا، فَقُتِلَ مِنْهُمْ مَا يَخْرُجُ عَنِ الْحَدِّ وَالْإِحْصَاءِ، وَنَهَبُوا كُلَّ مَا يَصْلُحُ لَهُمْ، وَمَا لَا يَصْلُحُ لَهُمْ أَحْرَقُوهُ، وَاخْتَفَى بَعْضُ النَّاسِ مِنْهُمْ، فَكَانُوا يَأْخُذُونَ الْأَسَارَى وَيَقُولُونَ لَهُمْ: نَادُوا فِي الدُّرُوبِ أَنَّ التَّتَرَ قَدْ رَحَلُوا، فَإِذَا نَادَى أُولَئِكَ خَرَجَ مَنِ اخْتَفَى فَيُؤْخَذُ وَيُقْتَلُ.
وَبَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةً مِنَ التَّتَرِ دَخَلَتْ دَارًا وَقَتَلَتْ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِهَا وَهُمْ يَظُنُّونَهَا رُجُلًا، فَوَضَعَتِ السِّلَاحَ وَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ، فَقَتَلَهَا رَجُلٌ أَخَذَتْهُ أَسِيرًا، وَسَمِعْتُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِهَا أَنَّ رَجُلًا مِنَ التَّتَرِ دَخَلَ دَرْبًا فِيهِ مَائَةُ رَجُلٍ، فَمَا زَالَ يَقْتُلُهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى أَفْنَاهُمْ، وَلَمْ يَمُدَّ أَحَدٌ يَدَهُ إِلَيْهِ بِسُوءٍ، وَوُضِعَتِ الذِّلَّةُ عَلَى النَّاسِ فَلَا يَدْفَعُونَ عَنْ نُفُوسِهِمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنِ الْخِذْلَانِ.
ثُمَّ رَحَلُوا عَنْهَا نَحْوَ مَدِينَةِ إِرْبِلَ، وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَيْنَا بِذَلِكَ بِالْمَوْصِلِ، فَخِفْنَا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ هَمَّ بِالْجَلَاءِ خَوْفًا مِنَ السَّيْفِ، وَجَاءَتْ كُتُبُ مُظَفَّرِ الدِّينِ، صَاحِبِ

الصفحة 348