كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 10)
إِرْبِلَ، إِلَى بَدْرِ الدِّينِ، صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، يَطْلُبُ مِنْهُ نَجْدَةً مِنَ الْعَسَاكِرِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَمْعًا صَالِحًا مِنْ عَسْكَرِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى طَرَفِ بِلَادِهِ مِنْ جِهَةِ التَّتَرِ، وَيَحْفَظُ الْمَضَايِقَ لِئَلَّا يَجُوزَهَا أَحَدٌ، فَإِنَّهَا جَمِيعَهَا جِبَالٌ وَعِرَةٌ وَمَضَايِقُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجُوزَهَا إِلَّا الْفَارِسُ بَعْدَ الْفَارِسِ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنَ الْجَوَازِ إِلَيْهِ.
وَوَصَلَتْ كُتُبُ الْخَلِيفَةِ وَرُسُلُهُ إِلَى الْمَوْصِلِ وَإِلَى مُظَفَّرِ الدِّينِ يَأْمُرُ الْجَمِيعَ بِالِاجْتِمَاعِ مَعَ عَسَاكِرِهِ بِمَدِينَةِ دَقُوقَا لِيَمْنَعُوا التَّتَرَ، فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا عَدَلُوا عَنْ جِبَالِ إِرْبِلَ، لِصُعُوبَتِهَا، إِلَى هَذِهِ النَّاحِيَةِ، وَيَطْرُقُونَ الْعِرَاقَ، فَسَارَ مُظَفَّرُ الدِّينِ مِنْ إِرْبِلَ فِي صَفَرٍ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ جَمْعٌ مِنْ عَسْكَرِ الْمَوْصِلِ، وَتَبِعَهُمْ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ كَثِيرٌ.
وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ أَيْضًا إِلَى الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ يَأْمُرُهُ بِالْحُضُورِ بِنَفْسِهِ فِي عَسَاكِرِهِ لِيَجْتَمِعَ الْجَمِيعُ عَلَى قَصْدِ التَّتَرِ وَقِتَالِهِمْ، فَاتَّفَقَ أَنَّ الْمَلِكَ الْمُعَظَّمَ ابْنَ الْمَلِكِ الْعَادِلِ وَصَلَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى أَخِيهِ الْأَشْرَفِ وَهُوَ بِحَرَّانَ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى الْفِرِنْجِ الَّذِينَ بِمِصْرَ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَحْضُرَ بِنَفْسِهِ لِيَسِيرُوا كُلُّهُمْ إِلَى مِصْرَ لِيَسْتَنْقِذُوا دِمْيَاطَ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَاعْتَذَرَ إِلَى الْخَلِيفَةِ بِأَخِيهِ، وَقُوَّةِ الْفِرِنْجِ، وَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهَا، وَإِلَّا خَرَجَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا، وَشَرَعَ يَتَجَهَّزُ لِلْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ لِيَدْخُلَ مِصْرَ. وَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ اسْتِنْقَاذِ دِمْيَاطَ.
فَلَمَّا اجْتَمَعَ مُظَفَّرُ الدِّينِ وَالْعَسَاكِرُ بِدَقُوقَا سَيَّرَ الْخَلِيفَةُ إِلَيْهِمْ مَمْلُوكَهُ قُشْتُمُرَ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَمِيرٍ بِالْعِرَاقِ، وَمَعَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فِي نَحْوِ ثَمَانِي مِائَةِ فَارِسٍ، فَاجْتَمَعُوا هُنَاكَ لِيَتَّصِلَ بِهِمْ بَاقِي عَسْكَرِ الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْجَمِيعِ مُظَفَّرَ الدِّينِ، فَلَمَّا رَأَى قِلَّةَ الْعَسْكَرِ لَمْ يُقْدِمْ عَلَى قَصْدِ التَّتَرِ.
وَحَكَى مُظَفَّرُ الدِّينِ قَالَ: لَمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ الْخَلِيفَةُ فِي مَعْنَى قَصْدِ التَّتَرِ قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الْعَدُوَّ قَوِيٌّ، وَلَيْسَ لِي مِنَ الْعَسْكَرِ مَا أَلْقَاهُ بِهِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ مَعِي عَشَرَةُ آلَافِ فَارِسٍ اسْتَنْقَذْتُ مَا أُخِذَ مِنَ الْبِلَادِ فَأَمَرَنِي بِالْمَسِيرِ، وَوَعَدَنِي بِوُصُولِ الْعَسْكَرِ، فَلَمَّا سِرْتُ لَمْ يَحْضُرْ عِنْدِي غَيْرُ عَدَدٍ لَمْ يَبْلُغُوا ثَمَانِيَ مِائَةِ طَوَاشِيٍّ، فَأَقَمْتُ، وَمَا رَأَيْتُ الْمُخَاطَرَةَ بِنَفْسِي وَبِالْمُسْلِمِينَ.
وَلَمَّا سَمِعَ التَّتَرُ بِاجْتِمَاعِ الْعَسَاكِرِ لَهُمْ رَجَعُوا الْقَهْقَرَى ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْعَسْكَرَ
الصفحة 349
471