كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 10)

ظَاهِرِ الْبَلَدِ هُوَ وَأَهْلُهُ إِلَى قَلْعَةٍ هُنَاكَ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ فَامْتَنَعَ فِيهَا.
فَلَمَّا فَقَدَهُ النَّاسُ بَقُوا حَيَارَى لَا يَدْرُونَ مَا يَصْنَعُونَ، إِلَّا أَنَّهُمُ اجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ إِلَى أَنْ يَمُوتُوا، فَأَقَامُوا فِي الْبَلَدِ وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْهُ.
وَكَانَ التَّتَرُ قَدْ عَزَمُوا عَلَى الرَّحِيلِ عَنْهُمْ لِكَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يَرَوْا أَحَدًا خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَلَدِ طَمِعُوا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ضَعْفِ أَهْلِهِ، فَقَصَدُوهُمْ وَقَاتَلُوهُمْ فِي رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ بِالسَّيْفِ، وَقَاتَلَهُمُ النَّاسُ فِي الدُّرُوبِ، فَبَطَلَ السِّلَاحُ لِلزَّحْمَةِ، وَاقْتَتَلُوا بِالسَّكَاكِينِ، فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوِيَ التَّتَرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَفْنَوْهُمْ قَتْلًا، وَلَمْ يَسْلَمْ إِلَّا مَنْ كَانَ عَمِلَ لَهُ نَفَقًا يَخْتَفِي فِيهِ، وَبَقِيَ الْقَتْلُ فِي الْمُسْلِمِينَ عِدَّةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَلْقَوُا النَّارَ فِي الْبَلَدِ فَأَحْرَقُوهُ وَرَحَلُوا عَنْهُ إِلَى مَدِينَةِ أَرْدَوِيلَ.
وَقِيلَ كَانَ السَّبَبُ فِي مُلْكِهَا أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ لَمَّا شَكَوْا إِلَى الرَّئِيسِ الشَّرِيفِ مَا يَفْعَلُ بِهِمُ الْكُفَّارُ، أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِمُكَاتَبَةِ الْخَلِيفَةِ لِيُنْفِذَ إِلَيْهِمْ عَسْكَرًا مَعَ أَمِيرٍ يَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ، فَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُنْهِي إِلَيْهِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوْفِ وَالذُّلِّ، وَمَا يَرْكَبُهُمْ بِهِ الْعَدُوُّ مِنَ الصَّغَارِ وَالْخِزْيِ، وَيَطْلُبُ نَجْدَةً وَلَوْ أَلْفَ فَارِسٍ مَعَ أَمِيرٍ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ وَيَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَارَ الْقُصَّادُ بِالْكُتُبِ أَرْسَلَ بَعْضُ مَنْ عَلِمَ بِالْحَالِ إِلَى التَّتَرِ يُعْلِمُهُمْ ذَلِكَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَذُوهُمْ وَأَخَذُوا الْكُتُبَ مِنْهُمْ، وَأَرْسَلُوا إِلَى الرَّئِيسِ يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ الْحَالَ، فَجَحَدَ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ كُتُبَهُ وَكُتُبَ الْجَمَاعَةِ، فَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمُ التَّتَرُ حِينَئِذٍ وَقَاتَلُوهُمْ، وَجَرَى فِي الْقِتَالِ كَمَا ذَكَرْنَا.

ذِكْرُ مَسِيرِ التَّتَرِ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ وَمُلْكِهِمْ أَرْدَوِيلَ وَغَيْرِهَا
لَمَّا فَرَغَ التَّتَرُ مِنْ هَمَذَانَ سَارُوا إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، فَوَصَلُوا إِلَى أَرْدَوِيلَ فَمَلَكُوهَا، وَقَتَلُوا فِيهَا وَأَكْثَرُوا، وَخَرَّبُوا أَكْثَرَهَا، وَسَارُوا مِنْهَا إِلَى تِبْرِيزَ، وَكَانَ قَدْ قَامَ بِأَمْرِهَا شَمْسُ الدِّينِ الطُّغْرَائِيُّ، وَجَمَعَ كَلِمَةَ أَهْلِهَا، وَقَدْ فَارَقَهَا صَاحِبُهَا أُوزْبَكُ بْنُ الْبَهْلَوَانِ، وَكَانَ أَمِيرًا مُتَخَلِّفًا، لَا يَزَالُ مُنْهَمِكًا فِي الْخَمْرِ لَيْلًا وَنَهَارًا، يَبْقَى الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ لَا يَظْهَرُ، وَإِذَا سَمِعَ هَيْعَةً طَارَ مُجْفِلًا لَهَا، وَلَهُ جَمِيعُ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانَ، وَهُوَ

الصفحة 351