كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 10)
التَّتَرُ، فَالْتَقَوْا، فَلَمْ يَثْبُتِ الْكَرَجُ بَلْ وَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ، فَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ، فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ.
وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ قُتِلَ مِنْهُمْ نَحْوُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَنَهَبُوا مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَخَرَّبُوهَا، وَفَعَلُوا بِهَا مَا هُوَ عَادَتُهُمْ، فَلَمَّا وَصَلَ الْمُنْهَزِمُونَ إِلَى تَفْلِيسَ، وَبِهَا مَلِكُهُمْ جَمَعُوا جُمُوعًا أُخْرَى وَسَيَّرَهُمْ إِلَى التَّتَرِ أَيْضًا لِيَمْنَعُوهُمْ مِنْ تَوَسُّطِ بِلَادِهِمْ، فَرَأَوُا التَّتَرَ وَقَدْ دَخَلُوا الْبِلَادَ لَمْ يَمْنَعْهُمْ جَبَلٌ وَلَا مَضِيقٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَوْا فِعْلَهُمْ عَادُوا إِلَى تَفْلِيسَ، فَأَخْلَوُا الْبِلَادَ، فَفَعَلَ التَّتَرُ فِيهَا مَا أَرَادُوا مِنَ النَّهْبِ، وَالْقَتْلِ، وَالتَّخْرِيبِ، وَرَأَوْا بِلَادًا كَثِيرَةَ الْمَضَايِقِ وَالدَّرْبَنْدَاتِ، فَلَمْ يَتَجَاسَرُوا عَلَى الْوُغُولِ فِيهَا، فَعَادُوا عَنْهَا.
وَدَاخَلَ الْكَرَجَ مِنْهُمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ، حَتَّى سَمِعْتُ عَنْ بَعْضِ أَكَابِرِ الْكَرَجِ، قَدِمَ رَسُولًا، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ التَّتَرَ انْهَزَمُوا وَأُسِرُوا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، وَإِذَا حُدِّثْتُمْ أَنَّهُمْ قَتَلُوا فَصَدِّقُوهُ، فَإِنَّ الْقَوْمَ لَا يَفِرُّونَ أَبَدًا، وَلَقَدْ أَخَذْنَا أَسِيرًا مِنْهُمْ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ مِنَ الدَّابَّةِ وَضَرَبَ رَأْسَهُ بِالْحَجَرِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَلَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَهُ لِلْأَسْرِ.
ذِكْرُ وُصُولِهِمْ إِلَى دَرْبَنْدَ شِرَوَانَ وَمَا فَعَلُوهُ فِيهِ
لَمَّا عَادَ التَّتَرُ مِنْ بَلَدِ الْكَرَج قَصَدُوا دَرْبَنْدَ شِرَوَانَ، فَحَصَرُوا مَدِينَةَ شَمَاخِي، وَقَاتَلُوا أَهْلَهَا، فَصَبَرُوا عَلَى الْحَصْرِ، ثُمَّ إِنَّ التَّتَرَ صَعَدُوا سُورَهَا بِالسَّلَالِيمِ، وَقِيلَ بَلْ جَمَعُوا كَثِيرًا مِنِ الْجِمَالِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْ قَتْلَى النَّاسِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، وَأَلْقَوْا بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ، فَصَارَ مِثْلَ التَّلِّ، وَصَعَدُوا عَلَيْهِ فَأَشْرَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ وَقَاتَلُوا أَهْلَهَا، فَصَبَرُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَأَشْرَفُوا عَلَى أَنْ يُؤْخَذُوا، فَقَالُوا: السَّيْفُ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَالصَّبْرُ أَوْلَى بِنَا نَمُوتُ كِرَامًا.
فَصَبَرُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَأَنْتَنَتْ تِلْكَ الْجِيَفُ وَانْهَضَمَتْ، فَلَمْ يَبْقَ لِلتَّتَرِ عَلَى السُّورِ اسْتِعْلَاءٌ، وَلَا تَسَلُّطٌ عَلَى الْحَرْبِ، فَعَاوَدُوا الزَّحْفَ وَمُلَازَمَةَ الْقِتَالِ، فَضَجِرَ أَهُلُهَا، وَمَسَّهُمُ التَّعَبُ وَالْكَلَالُ وَالْإِعْيَاءُ، فَضَعُفُوا، فَمَلَكَ التَّتَرُ الْبَلَدَ، وَقَتَلُوا فِيهِ فَأَكْثَرُوا، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ فَاحْتَازُوهَا.
الصفحة 353
471