كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 10)

فَأَرْسَلُوا إِلَى جِنْكِزْخَانْ يُعَرِّفُونَهُ عَجْزَهُمْ عَنْ مُلْكِ هَذِهِ الْقَلْعَةِ، لِكَثْرَةِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، وَلِامْتِنَاعِهَا بِحَصَانَتِهَا، فَسَارَ بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ عِنْدَهُ مِنْ جُمُوعِهِ إِلَيْهِمْ، وَحَصَرَهَا، وَمَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسْرَى، فَأَمَرَهُمْ بِمُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ وَإِلَّا قَتَلَهُمْ، فَقَاتَلُوا مَعَهُ، وَأَقَامَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أُخْرَى، فَقُتِلَ مِنَ التَّتَرِ عَلَيْهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَلَمَّا رَأَى مَلِكُهُمْ ذَلِكَ أَمَرَ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ مِنَ الْحَطَبِ وَالْأَخْشَابِ مَا أَمْكَنَ جَمْعُهُ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَصَارُوا يَعْمَلُونَ صَفًّا مِنْ خَشَبٍ وَفَوْقَهُ صَفًّا مِنْ تُرَابٍ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى صَارَ تَلًّا عَالِيًا يُوَازِي الْقَلْعَةَ، وَصَعِدَ الرَّجَّالَةُ فَوْقَهُ وَنَصَبُوا عَلَيْهِ مَنْجَنِيقًا فَصَارَ يَرْمِي إِلَى وَسَطِ الْقَلْعَةِ وَحَمَلُوا عَلَى التَّتَرِ حَمْلَةً وَاحِدَةً فَسَلِمَ الْخَيَّالَةُ مِنْهُمْ وَنَجَوْا، وَسَلَكُوا تِلْكَ الْجِبَالَ وَالشِّعَابَ.
وَأَمَّا الرَّجَّالَةُ فَقُتِلُوا، وَدَخَلَ التَّتَرُ الْقَلْعَةَ، وَسَبَوُا النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ وَالْأَمْتِعَةَ.
ثُمَّ إِنَّ جِنْكِزْخَانْ جَمَعَ أَهْلَ الْبِلَادِ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ الْأَمَانَ بِبَلْخَ وَغَيْرِهَا، وَسَيَّرَهُمْ مَعَ بَعْضِ أَوْلَادِهِ إِلَى مَدِينَةِ مَرْوَ، فَوَصَلُوا إِلَيْهَا وَقَدِ اجْتَمَعَ بِهَا مَعَ الْأَعْرَابِ وَالْأَتْرَاكِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ نَجَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَتَيْ أَلْفِ رَجُلٍ، وَهُمْ مُعَسْكِرُونَ بِظَاهِرِ مَرْوَ، وَهُمْ عَازِمُونَ عَلَى لِقَاءِ التَّتَرِ، وَيُحَدِّثُونَ نُفُوسَهُمْ بِالْغَلَبَةِ لَهُمْ، وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا وَصَلَ التَّتَرُ إِلَيْهِمُ الْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَصَبَرَ الْمُسْلِمُونَ وَأَمَّا التَّتَرُ فَلَا يَعْرِفُونَ الْهَزِيمَةَ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ أُسِرَ، فَقَالَ وَهُوَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ: إِنْ قِيلَ إِنَّ التَّتَرَ يَقْتُلُونَ فَصَدِّقُوا، وَإِنْ قِيلَ إِنَّهُمُ انْهَزَمُوا فَلَا تُصَدِّقُوا.
فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ صَبْرَ التَّتَرِ وَإِقْدَامَهُمْ، وَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ، فَقَتَلَ التَّتَرُ مِنْهُمْ وَأَسَرُوا

الصفحة 358