كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 10)

اعتزِلها ولا تقربْها. وأرسل إلى صاحِبَيَّ مثلَ ذلك، فقلتُ لامرأتى: الحقي بأهلِك، فكوني عندهم حتى يقضي اللهُ في هذا الأمر. فجاءت امرأةُ هلال بن أمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، إنّ هلالًا شيخ ضائع، وليس له خادِم، فهل تكره أن أخدمه؟. قال: «لا، ولكن لا يَقْرَبَنَّكِ». قالت: وإنّه -واللهِ- ما بِه حَرَكَةٌ إلى شيء، واللهِ، ما زال يبكي مِن لدن أن كان مِن أمرِك ما كان إلى يومِه هذا. فقال لي بعضُ أهلي: لو استأذنتَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأتِك؛ فقد أذِن لامرأة هلال أن تخدمه. فقلتُ: واللهِ، لا أستأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أدري ما يقولُ إذا استأذنتُه وأنا رجل شابٌّ. قال: فلبِثنا عشرَ ليال، فكمل لنا خمسون ليلة مِن حين نهى عن كلامنا. قال: ثُمَّ صليتُ صلاةَ الفجر صباح خمسين ليلة على ظهرِ بيتٍ مِن بيوتنا، فبينا أنا جالِسٌ على الحال التى ذكر الله عَنّا؛ قد ضاقت عَلَيَّ نفسي، وضاقت عَلَيَّ الأرض بما رَحُبَت، سَمِعْتُ صارِخًا أوْفى على جبل سَلْعٍ يقولُ بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبْشِرْ. فخررتُ ساجِدًا، وعرفتُ أن قد جاء فَرَجٌ، فآذَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبةِ الله علينا حين صلّى الفجرَ، فذهب الناسُ يُبَشِّرُوننا، وذهب قِبَل صاحِبَيَّ مُبَشِّرون، وركض إلَيَّ رجلٌ فرسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلم وأَوْفى على الجبل، فكان الصوتُ أسرعَ مِن الفرس، فلمّا جاءنى الذي سمعتُ صوتُه يُبَشِّرُني نَزَعت له ثوبَيَّ فكسوتُهما إيّاه ببشارته، واللهِ، ما أملك غيرَهما يومئذ، فاستعرتُ ثوبين فلبستُهما، فانطلقت أؤُمُّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، يَتَلَقّاني الناسُ فَوْجًا بعد فَوْجٍ يُهَنِّئوني بالتوبة، يقولون: لِيَهْنِكَ توبةُ الله عليك. حتى دخلتُ المسجدَ، فإذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد حولَه الناس، فقام إلَيَّ طلحةُ بن عبيد الله يُهَرْوِل حتى صافَحني وهنَّأني، واللهِ، ما قام إلَيَّ رجل مِن المهاجرين غيرُه -قال: فكان كعبٌ لا ينساها لطلحة-. قال كعب: فلمّا سلَّمتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو يَبْرق وجهُه مِن السرور: «أبْشِرْ بخير يومٍ مرَّ عليك منذُ ولَدَتْك أمُّك». قلتُ: أمِن عندِك -يا رسول الله- أم مِن عند الله؟ قال: «لا، بل مِن عند الله». وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سُرَّ اسْتَنار وجهُه حتّى كأنه قِطْعَةُ قَمَر، فلمّا جلَستُ بين يديه قلتُ: يا رسول الله، إنّ مِن توبتى أن انْخَلِعَ مِن مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -. قال: «أمْسِكْ بعضَ مالِك فهو خيرٌ لك». قلتُ: إنِّي أُمْسِك سهمِي الذي بخيبر. وقلتُ: يا رسول الله، إنّما نجّاني الله بالصِّدق، وإنّ مِن توبتي ألّا أُحَدِّثَ إلا صِدْقًا ما بَقِيتُ. قال: فواللهِ، ما أعلمُ أحدًا مِن المسلمين أبلاه الله مِن الصدق في الحديث منذُ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الصفحة 707