كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 10)

أحسن مِمّا أبلاني الله تعالى، واللهِ، ما تعمَّدتُ كِذبةً منذُ قلتُ ذلك إلى يومي هذا، وإنِّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: وأنزل الله: {لقد تاب الله على النَّبِىّ والمهاجرين والأنصار} إلى قوله: {وكونوا مع الصادقين}. فواللهِ، ما أنعم الله عَلَيَّ مِن نعمة قطُّ بعد أن هداني الله للإسلام أعْظَمَ في نفسي مِن صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ألّا أكون كذَبتُه فأهلِكَ كما هلَك الذين كذبوه، فإنّ الله قال للذين كَذَبُوه حين أنزل الوحيَ شرَّ ما قال لأحد، فقال: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتُعرِضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس} إلى قوله: {الفاسقين} [التوبة: ٩٥]. قال: وكُنّا خُلِّفنا -أيُّها الثلاثة- عن أمر أولئك الذين قَبِل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلَفُوا، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجَأ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال: {وعلى الثلاثة الذين خُلِّفُوا}. وليس تخليفُه إيّانا وإرجاؤه أمرَنا -الذي ذكر مما خُلِّفنا- بتخلُّفِنا عن الغزو، وإنّما هو عمَّن حلَفَ له واعتذر إليه فقَبِل منه (¬١). (٧/ ٥٦٩)

٣٣٨٩٨ - عن أنس بن مالك، قال: لَمّا نزل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِذِي أوانٍ (¬٢) خرج عامَّةُ المنافقين الذين كانوا تخلَّفوا عنه يَتَلَقَّوْنَه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: «لا تُكلِّمُنَّ رجلًا تَخَلَّف عنا، ولا تُجالِسوه حتى آذَنَ لكم». فلم يُكلِّموهم، فلمّا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أتاه الذين تَخَلَّفوا يُسَلِّمون عليه، فأعرض عنهم، وأعرض المؤمنون عنهم، حتى إنّ الرجل ليُعرِضُ عنه أبوه وأخوه وعمُّه، فجعلوا يأتون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويعتذرون بالجهد والأسقام، فرحِمهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فبايعهم، واستغفر لهم، وكان مِمَّن تَخَلَّف عن غير شكٍّ ولا نِفاق ثلاثةُ نَفَر؛ الذين ذكر الله تعالى في سورة التوبة: كعب بن مالك السُلمي، وهلال بن أمية الواقفى، ومُرارة بن ربيعة العامري (¬٣). (٧/ ٥٦٨)

٣٣٨٩٩ - عن الحسن البصري -من طريق المبارك- قال: لَمّا غزا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك تخلَّف كعب بن مالك، وهلال بن أُمَيَّة، ومُرارة بن الربيع، قال: أمّا أحدُهم فكان له حائِط حين زَها، قد فشَتْ فيه الحُمْرَة والصُّفْرَة، فقال: غزوتُ، وغزوتُ، وغزوتُ، مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلو أقمتُ العامَ في هذا الحائطِ فأَصَبْتُ مِنه. فلمّا خرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه دخَل حائطَه، فقال: ما خلَّفني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما استبَق
---------------
(¬١) أخرجه البخاري ٦/ ٣ - ٧ (٤٤١٨)، ومسلم ٤/ ٢١٢٠ - ٢١٢٩ (٢٧٦٩)، وابن جرير ١٢/ ٥٨ - ٦٦، وابن أبي حاتم ٦/ ١٨٩٩ - ١٩٠٣ (١٠٠٨٥).
(¬٢) ويقال: ذات أوان: بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار. معجم البلدان ١/ ٣٦٩.
(¬٣) عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.

الصفحة 708