كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 10)

المؤمنون مِن الجهاد في سبيل الله إلا ضنٌّ بِكَ أيُّها الحائط، اللَّهُمَّ، إنِّي أُشهِدُك أنِّي قد تصدَّقتُ به في سبيلك. وأَمّا الآخَرُ فكان قد تفرَّق عنه مِن أهله ناسٌ، واجتمعوا له، فقال: قد غزوتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغزوتُ، فلو أنِّي أقمتُ العام في أهلي. فلمّا خرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه قال: ما خَلَّفني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما استبق إليه المؤمنون من الجهاد في سبيل الله إلا ضنٌّ بكم أيها الأهل، اللَّهُمَّ، إنّ لك عَلَيَّ ألّا أرجع إلى أهلي ومالي حتى أعلم ما تَقْضِي فِيَّ. وأَمّا الآخَر فقال: اللَّهُمَّ، إنّ لك عَلَيَّ أن ألحق بالقوم حتى أدركهم، أو أنقطع. فجعَل يتبَع الوَقْعَ (¬١) والحُزُونَة (¬٢) حتى لَحِق بالقوم؛ فأنزل الله: {لقد تاب الله على النبى} إلى قوله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت}. قال الحسن: يا سبحان الله، واللهِ، ما أكلُوا مالًا حرامًا، ولا أصابوا دمًا حرامًا، ولا أفسدوا في الأرض، غير أنّهم أبطئوا عن شيء مِن الخير؛ الجهاد في سبيل الله، وقد -واللهِ- جاهدوا، وجاهدوا، وجاهدوا، فبلغ منهم ما سمِعْتُم، فهكذا يبلغُ الذَّنبُ مِن المؤمن (¬٣). (٧/ ٥٧٨)

٣٣٩٠٠ - عن محمد ابن شهاب الزهري -من طريق يونس- قال: غزا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك، وهو يريد الروم ونصارى العرب بالشام، حتى إذا بلغ تبوك أقام بها بضع عشرة ليلة، ولَقِيَه بها وفْدُ أذْرُحَ ووَفْدُ أيْلَةَ، فصالحهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على الجزية. ثم قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك ولم يُجاوِزْها، وأنزل الله: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} الآيةَ. والثلاثةُ الذين خُلِّفُوا رهطٌ، منهم كعب بن مالك، وهو أحد بني سلِمة، ومرارة بن ربيعة، وهو أحد بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية، وهو من بني واقف، وكانوا تخلَّفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الغزوة في بضعة وثمانين رجلًا، فلمّا رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة صدَقَه أولئك حديثهم، واعترفوا بذنوبهم، وكذَب سائرُهم، فحلفوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما حَبَسَهُم إلا العُذْرُ، فقَبِل منهم رسولُ الله، وبايعهم، ووكَلَهم في سرائرهم إلى الله، ونهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلام الذين خُلِّفوا، وقال لهم حين حَدَّثوه حديثَهم، واعترفوا بذنوبهم: «قد صَدَقْتُم، فقوموا حتى يقضي الله فيكم». فلمّا أنزل الله القرآن تاب على الثلاثة، وقال للآخرين: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم
---------------
(¬١) الوقع: المكان المرتفع. لسان العرب (وقع).
(¬٢) الحزونة: المكان الغليظ الخشن. النهاية (حزن).
(¬٣) أخرجه ابن أبي حاتم ٦/ ١٩٠٤. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ.

الصفحة 709