كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 10)

لَا يُمْكِنُهُمُ الْغَيْبَةُ، كَقَوْلِهِ: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ «1» . وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مُشَاهِدُوهَا فِي الْبَرْزَخِ. لَمَّا أَخْبَرَ عن صليهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْبَرَ بِانْتِفَاءِ غَيْبَتِهِمْ عَنْهَا قَبْلَ الصَّلْيِ، أَيْ يَرَوْنَ مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ.
وَما أَدْراكَ: تَعْظِيمٌ لِهَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى وَابْنُ جُنْدُبٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: يَوْمَ لَا تَمْلِكُ بِرَفْعِ الْمِيمِ، أَيْ هُوَ يَوْمٌ، وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِمَّا قَبْلَهُ. وَقَرَأَ مَحْبُوبٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: يَوْمٌ لَا تَمْلِكُ عَلَى التَّنْكِيرِ مُنَوَّنًا مَرْفُوعًا فَكَّهُ عَنِ الْإِضَافَةِ وَارْتِفَاعُهُ عَلَى هُوَ يَوْمٌ، وَلَا تَمْلِكُ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ لَا تَمْلِكُ فِيهِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْحَسَنُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْرَجُ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: يَوْمَ بِالْفَتْحِ عَلَى الظَّرْفِ، فَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ هِيَ حَرَكَةُ إِعْرَابٍ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَرَكَةَ بِنَاءٍ، وَهُوَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فِي مَوْضِعِ رَفْعِ خَبَرٍ الْمَحْذُوفِ تَقْدِيرُهُ: الْجَزَاءُ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ، أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ يُدَانُونَ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، أَيِ اذْكُرْ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ. وَيَجُوزُ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ بِنَاءَهُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رفع خبر المبتدأ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هُوَ. يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً
: عَامٌّ كَقَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا «2» . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لِنَفْسٍ كَافِرَةٍ شَيْئًا مِنَ الْمَنْفَعَةِ.
وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ، قَالَ قَتَادَةُ: وَكَذَلِكَ هُوَ الْيَوْمُ، لَكِنَّهُ هُنَاكَ لَا يَدَّعِي أَحَدٌ مُنَازَعَةً، وَلَا يُمَكِّنُ هُوَ أَحَدًا مِمَّا كَانَ مَلَّكَهُ فِي الدنيا.
__________
(1) سورة البقرة: 2/ 167.
(2) سورة سبأ: 34/ 42.

الصفحة 423