كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 10)

سورة النّاس

[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4)
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلهِ النَّاسِ، مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ.
تَقَدَّمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ مَعَ مَا قَبْلَهَا. وَالْخِلَافُ أَهِيَ مَدَنِيَّةٌ أَمْ مَكِّيَّةٌ؟ وَأُضِيفَ الرَّبُّ إِلَى النَّاسِ، لِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرِّ الْمُوَسْوِسِ فِي صُدُورِهِمْ، اسْتَعَاذُوا بِرَبِّهِمْ مَالِكِهِمْ وَإِلَهِهِمْ، كَمَا يَسْتَعِيذُ الْعَبْدُ بِمَوْلَاهُ إِذَا دَهَمَهُ أَمْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ صِفَتَانِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُمَا عَطْفَا بَيَانٍ، كَقَوْلِكَ: سِيرَةُ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ الْفَارُوقِ بُيِّنَ بِمَلِكِ النَّاسِ، ثُمَّ زِيدَ بَيَانًا بِإِلَهِ النَّاسِ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ لِغَيْرِهِ: رَبُّ النَّاسِ، كَقَوْلِهِ: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ «1» . وَقَدْ يُقَالُ: مَلِكُ النَّاسِ، وَأَمَّا إِلَهُ النَّاسِ فَخَاصٌّ لَا شَرِكَةَ فِيهِ، فَجُعِلَ غَايَةً لِلْبَيَانِ، انْتَهَى. وَعَطْفُ الْبَيَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْجَوَامِدِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُمَا عَطْفَا بَيَانٍ لِوَاحِدٍ، وَلَا أَنْقُلُ عَنِ النُّحَاةِ شَيْئًا فِي عَطْفِ الْبَيَانِ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَرَّرَ لِمَعْطُوفٍ عَلَيْهِ وَاحِدٍ أَمْ لَا يَجُوزُ؟.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: فَهَلَّا اكْتَفَى بِإِظْهَارِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الَّذِي هُوَ النَّاسُ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قُلْتُ: لِأَنَّ عَطْفَ الْبَيَانِ لِلْبَيَانِ، فَكَانَ مَظِنَّةً لِلْإِظْهَارِ دون الإضمار، انتهى.
__________
(1) سورة التوبة: 9/ 31.

الصفحة 578