كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)

واحتملَتْ ألفاظُ هذه الأحادِيثِ من التَّأوِيلِ، ما أوجبَ اختِلافَ العُلماءِ في هذا البابِ، على ما نذكُرُهُ عنهُم، إن شاءَ الله.
والذي أجمَعُوا عليه: أنَّ المرأةَ لها ثَلاثةُ أحكام في رُؤيتِها الدَّمَ الظّاهرَ (¬١) السّائلَ من فرْجِها، فمِن ذلك دمُ الحيضِ المعرُوفُ، تَترُكُ لهُ الصَّلاةَ، إذا كان حَيْضًا.
وللحَيضِ عندَهُم مِقدارٌ اختَلَفُوا فيه، وكلُّهُم يقولُ: إذا جاوزَ الدَّمُ ذلك المِقدارَ، فليسَ بحيضٍ. والحيضُ خِلْقةٌ في النِّساءِ، وطبعٌ (¬٢) مُعتادٌ معرُوفٌ منهُنَّ، وحُكْمُهُ ألّا تُصلِّي معهُ المرأةُ ولا تصُومَ، فإذا انقطَعَ عنها، كان طُهرُها منهُ الغُسلَ.
ومِن ذلك أيضًا الوجهُ الثّانِي، وهُو دَمُ النِّفاسِ عندَ الوِلادةِ، ولهُ أيضًا عندَ العُلماءِ حَدٌّ محدُودٌ اختلفُوا فيه على ما نَذكُرُهُ عنهُم إن شاءَ الله، وطُهرُها عندَهُمُ انقِطاعُهُ، والغُسلُ منهُ، كالغُسلِ من الحَيْضِ سواءً (¬٣).
والوجهُ الثّانِي (¬٤): دمٌ ليسَ بعادةٍ، ولا طبع منهُنَّ، ولا خِلْقةٍ، وإنَّما هُو عِرقٌ انقطَعَ سائلُ دمِهِ، لا انقِطاعَ لهُ إلّا عندَ البُرءِ منهُ.
فهذا حُكمُهُ أن تكونَ المرأةُ فيه طاهِرًا، لا يَمْنعُها من صلاةٍ ولا صَوْم، بإجماع من العُلماءِ، واتِّفاقٍ من الآثارِ المرفُوعةِ، إذا كان معلُومًا أنَّهُ دمُ العِرْقِ، لا دمُ الحيضِ.
وأمّا وطءُ الزَّوجِ، أوِ السَّيِّدِ، للمرأةِ التي هذه حالهُا، فمُختَلَفٌ فيه من أهلِ العِلم؛ جماعةٌ قالوا: لا سبِيلَ لزوجِها إلى وَطْئها، ما دامت تلك حالَها. قالوا: لأنَّ
---------------
(¬١) هذه الكلمة سقطت من م.
(¬٢) قوله: "وطبع" سقط من د ٤.
(¬٣) عبارة د ٤: "والغسل كالحيض سواء"، وفيه سقط وتحريف.
(¬٤) كذا في النسخ، وقد ذكر المؤلف وجهين، وهذا هو الوجه الثالث.

الصفحة 103