كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)

وعنِ الثَّورِيِّ، عن سالم الأفطَسِ، عن سعِيدِ بن جُبيرٍ، أنَّهُ سألَهُ عنِ المُستحاضةِ: أتُجامَعُ؟ فقال: الصَّلاةُ أعظَمُ من الجِماع (¬١).
وذكَرَ ابنُ وَهْبٍ، عن عَمرِو بن الحارثِ، عن يحيى بن سعِيدٍ، عن سعِيدِ بن المُسيِّبِ، أنَّهُ قال: المُستحاضةُ تصُومُ وتُصلِّي ويَطؤُها زوجُها.
قال ابنُ وَهْبٍ: وقال مالكٌ: أمرُ أهلِ الفِقهِ والعِلم على ذلك، وإن كان دَمُها كثِيرًا. وقال مالكٌ: قال رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما ذلك عِرْقٌ وليسَ بالحَيْضةِ". وإذا لم تكُن حَيْضةً، فما يَمنعُه (¬٢) أن يُصِيبَها، وهِي تُصلِّي وتصُومُ؟
قال أبو عُمر: أمّا (¬٣) حكم الله عزَّ وجلَّ في دم المُستحاضةِ بأنَّهُ لا يمنعُ من الصَّلاةِ، وتعبَّدَ فيه بعِبادةٍ غيرِ عِبادةِ الحَيْضِ، وَجَبَ أن لا يُحكَمَ لهُ بشيءٍ من حُكم الحيضِ، إلّا فيما أجمعُوا عليه من غَسلِهِ، كسائرِ الدِّماءِ.
وأمّا اختِلافُ العُلماءِ في أكثرِ الحَيْضِ، وفي أقلِّهِ، وفي أقلِّ الطُّهرِ، فواجِبٌ الوُقُوفُ عليه ها هنا (¬٤)؛ لأنَّ الأصلَ في الاستِحاضةِ زِيادةُ الدَّم على مِقْدارِ أمَدِ الحيضِ، أو نُقصانُ مُدّةِ الطُّهرِ عن أقلِّهِ، فبِهذا تُعرَفُ الاسْتِحاضةُ.
فأمّا اختِلافُهُم في أكثرِ الحَيْضِ وأقلِّهِ، فإنَّ فُقهاءَ أهلِ المدِينةِ يقولُون: إنَّ الحيضَ لا يكونُ أكثرَ من خمسةَ عشرَ يومًا، وجائزٌ عندَهُم أن يكونَ خمسةَ عشر يومًا فما دُونَ، وأمّا ما زادَ على خمسةَ عشرَ يومًا، فلا يكونُ حيضًا، وإنَّما هُو المُسْتَحاضة، وهذا مذهبُ مالكٍ، وأصحابِهِ في الجُملةِ.
---------------
(¬١) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١١٨٧).
(¬٢) في الأصل، م: "يمنعها".
(¬٣) هذه الكلمة سقطت من م.
(¬٤) انظر: الأوسط لابن المنذر ٢/ ٣٥٥، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ١٦٥، وانظر فيهما بعده.

الصفحة 107