كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)

ومنها: أنَّ ذلك أتمُّ، ولذلكَ لم يُحتَجْ فيه إلى جَبْرِ شيءٍ بدَم.
ومنها، من جِهةِ النَّظرِ، حُجَجٌ مخالفةٌ مُعارضَها بمِثلِها من جِهةِ النَّظرِ أيضًا، ليسَ بنا حاجةٌ هاهُنا إلى ذِكرِ شيءٍ منها.
وذهَبَ غيرُهُ إلى أنَّ التَّمتُّعَ أفْضَلُ، لآثارٍ رَوَوها، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أنَّهُ تمتَّعَ. وكان ابنُ عُمرَ يذهبُ إلى التَّمتُّع، ويزعُمُ أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- تمتَّع في حَجَّتِهِ. وكان ابنُ عُمرَ من أعلم الصَّحابةِ بالحجِّ.
وذهَبَ آخرُونَ إلى أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قرَنَ بينَ الحجِّ والعُمرةِ في حَجَّتِهِ، لآثارٍ رَوَوها صِحاح عندَهُم أيضًا بذلك.
والآثارُ في التَّمتُّع والقِرانِ كثيرةٌ جِدًّا، وقد ذكَرْنا منها في بابِ ابن شِهاب، عن عُروةَ، من كِتابِنا هذا ما فيه كِفايةٌ. وفي بابِ نافع أيضًا ما فيه شِفاءٌ.
وما أعلمُ أحدًا قي قَديم الدَّهرِ، ولا حَديثهِ، ردَّ حديثَ حَفْصةَ هذا، بأن قال: إنَّ مالكًا انفردَ منهُ بقولِهِ: "ولم تحِلَّ أنتَ من عُمرتِكَ". إلّا هذا الرَّجُل، واللهُ يغفِرُ لنا، ولهُ برحمتِهِ.
أخبرنا عبدُ الله بن محمدِ بن يحيى، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ (¬١). وحدَّثنا عبدُ الله بن محمدِ بن أسَدٍ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن محمدٍ المكِّيُّ، قال: حدَّثنا عليُّ بن عبدِ العزيزِ. قالا: حدَّثنا القَعْنبيُّ، عن مالكٍ، عن نافع، عن ابن عُمرَ، عن حَفْصةَ زوج النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أنَّها قالت لرسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: ما شأنُ النّاسِ حلُّوا، ولم تحِلَّ أنتَ من عُمرتِكَ؟ قال: "إنِّي لبَّدتُ رأسي، وقلَّدتُ هَدْيي، فلا أحِلُّ حتّى أنحَرَ".
---------------
(¬١) في سننه (١٨٠٦).

الصفحة 11