كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)

وقال الثَّورِيُّ: أقلُّ ما بينَ الحيضتينِ من الطُّهرِ، خمسةَ عشَرَ يومًا. وذكر أبو ثورٍ أنَّ ذلك لا يختلِفُونَ فيه. وحكاهُ عنِ الشّافعيِّ، وأبي حنِيفةَ.
وأمّا اختِلافُ الفُقهاءِ في أقلِّ النِّفاسِ وأكثرِهِ (¬١)، فلا أعلمُهُم يختلِفُونَ، أعني: فُقهاءَ الحِجازِ والعِراقِ: أنَّ النُّفساءَ إذا رأتِ الطُّهرَ، ولو بعدَ ساعةٍ، أنَّها تغتسِلُ.
واختَلَفُوا في أكثرِ مُدَّتِهِ، فقال مالكٌ وعُبيدُ الله بن الحسنِ والشّافعيُّ: أكثرُهُ سِتُّونَ يومًا. ثُمَّ رجعَ مالكٌ، فقال: يُسألُ النِّساءُ عن ذلك وأهلُ المعرِفةِ. وذَكرَ اللَّيثُ: أنَّ من النّاسِ من يقولُ: سبعِينَ (¬٢) يومًا.
وقال الثَّورِيُّ وأبو حنِيفةَ والأوزاعِيُّ: أكثرُهُ أربعُونَ يومًا.
قال أبو عُمر: ما زادَ عندَهُم على أكثرِ مُدّةِ الحَيْضِ، وأكثرِ مُدّةِ النِّفاسِ، فهُو استِحاضةٌ، لا يختلِفُونَ في ذلك، فقِفْ على أُصُولِهِم في هذا البابِ، لتعرِفَ الحُكم في المُسْتَحاضةِ، وتعرِفَ من قادَ أصلَهُ منهُم، ومن خالَفهُ، إن شاءَ الله.
فأمّا أقاوِيلُ الصَّحابةِ، والتّابِعِينَ في صَلاةِ المُستحاضةِ:
فإنَّ ابن سِيرِينَ، رَوَى عنِ ابنِ عبّاسٍ في المُستحاضةِ، قال: إذا رأتِ الدَّم البحرانِيَّ (¬٣) فلا تُصلِّي، وإذا رأتِ الطُّهرَ ولو ساعةً، فلتغتسِل ولتُصَلِّ (¬٤).
---------------
(¬١) انظر: المدونة ١/ ١٥٣ - ١٥٤، ومسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل ١/ ٢٣٥، والأوسط لابن المنذر ٢/ ٣٨٠، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ١٦٦، وشرح مختصر الطحاوي للجصاص ١/ ٤٨٧، وانظر فيها ما بعدها.
(¬٢) في د ٤: "تسعين".
(¬٣) دم بحراني: شديد الحمرة، كأنه قد نسب إلى البحر، وهو اسم قعر الرحم، منسوب إلى قعر الرحم وعمقها، وزادوه في النسب ألفا ونونا للمبالغة، يريد الدم الغليظ الواسع. وقيل: نسب إلى البحر، لكثرته وسعته. انظر: لسان العرب ٤/ ٤٦.
(¬٤) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٣٧٧)، والدارمي (٨٠٠، ٨٠١)، والبيهقي في الكبرى ١/ ٣٤٠، من طريق أنس بن سيرين، عن ابن عباس، به.

الصفحة 110