كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)

وقال مالكٌ في المرأةِ يزِيدُ دمُها على أيام عادتِها: إنَّها تُمسِكُ عنِ الصَّلاةِ خمسةَ عشَرَ يومًا، فإنِ انقطَعَ، وإلّا صنعَتْ ما تصنعُ المُستحاضةُ. ثُمَّ رجع، فقال: تستظهِرُ بثلاثةِ أيام بعد أيام حَيْضتِها المُعتادةِ، ثُمَّ تُصلِّي. وتركَ قولَهُ: خمسةَ عشَر يومًا.
وأخذَ بقولِهِ الأوَّلِ المدنِيُّون من أصحابِهِ، وأخذَ بقولِهِ الآخِرِ المِصرِيُّونَ من أصحابِهِ.
وقال اللَّيثِ في هذه المسألةِ كلِّها، مِثلُ قولِ مالكٍ الأخير.
ولمالكٍ وغيرِهِ من العُلماءِ في المرأةِ ينقطِعُ دمُ حيضِها، فتَرى دمًا يومًا أو يومينِ، وطُهرًا يومًا أو يومينِ، مذاهِبُ سنذكُرُها في بابِ هشام بن عُروةَ إن شاءَ الله.
وذكَرَ إسماعيلُ بن إسحاقَ، قال: قال محمدُ بن مسلمةَ: أقْصَى ما تحِيضُ النِّساءُ عندَ عُلماءِ أهلِ المدِينةِ، مالكٍ وغيرِهِ: خمسةَ عشَرَ يومًا، فإذا رأتِ المرأةُ الدَّمَ، أمسكَتْ عنِ الصَّلاةِ خمسةَ عشَرَ يومًا، فإنِ انقطَعَ عنها عندَ انقِضاءِ الخمسةَ عشَرَ وفيما دُونَها، عَلِمنا أنَّهُ حيضٌ، واغتسلَتْ عندَ انقِطاعِهِ، وصلَّتْ، وليست مُسْتحاضةً، فإن تمادَى بها الدَّمُ أكثرَ من خمسةَ عشَرَ يومًا، اغتسلَتْ عندَ انقِضاءِ (¬١) الخَمسةَ عشَر، وعَلِمنا أنَّها مُسْتحاضةٌ، فأمرناها بالغُسلِ، لأنَّها طاهِرٌ، وتُصلِّي من يومِها ذلك، ولا تُصلِّي ما كان قبلَ ذلك، لأنَّها تركتِ الصَّلاةَ باجتِهادٍ في أمرٍ يُختَلَفُ فيه، وقد ذهَبَ وقتُ تِلك الصَّلاةِ، وقُلنا: أقِيمِي طاهِرةً حتّى تُقبِل الحيضةُ، كما قال رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك أنْ تأتِيَها دَفعةٌ من دَم تُنكِرُهُ بعدَ خمسةَ عشَرَ يومًا، من يوم غُسْلِها، لأنَّهُ أقلُّ الطُّهرِ عندَنا، فإذا رأتِ الدفعةَ بعد خمسةَ عشَرَ من الطُّهرِ، كفَّت عنِ الصَّلاةِ، ما دامَتْ تَرى الدَّمَ إلى خمسَ عشْرَةَ (¬٢)، ثُمَّ اغْتَسلت وصلَّت فيما يُسْتقبَلُ كما ذكرنا، فإن لم يكُن بين الدَّفعةِ وبين الطُّهرِ قدرُ
---------------
(¬١) في د ٤: "انقطاع".
(¬٢) في م: "إلى خمسة عشر".

الصفحة 113