كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)

وإنَّما هي امرأةٌ انتقلَ حيضُها إلى أكثرَ مِمّا كان، وكلُّ ذلك حيضٌ؛ لأنَّ حيضَ المرأةِ يختلِفُ (¬١) أحيانًا فيَقِلُّ ويكثُرُ، وإن زادَها الدَّمُ على خمسةَ عشرَ، اغتسلَتْ عندَ تمامِها، فصلَّتْ، وكانَتْ مُسْتَحاضةً، وتُصلِّي، وتصومُ، ويأتيها زَوْجُها، حتّى تَرى دمًا قد أقبَلَ سِوَى الدَّم الذي تُصلِّي فيه، فإن رأتهُ قبلَ خمسِ ليالٍ من حِينَ اغتسلَتْ، مضَتْ على حالِ الطَّهارةِ، فإنَّها مُسْتحاضةٌ، وإن رأتهُ بعدَ خمسِ ليالٍ، فأكثرَ، فهُو دَمُ حيضٍ مُسْتأنفٌ، تترُكُ لهُ الصَّلاةَ أيامَها التي كانت تحِيضُها قبلَ أن يختلِط عليها أمرُها، وتزِيدُ ثلاثةَ أيام على ما كانت تَعرِفُ من أيامِها، إلّا أن تكونَ أيامُها والثَّلاثةُ التي تحتاطُ بها، أكثر من خمسَ عشْرةَ، فإن كان كذلك لم تُجاوِز خمسَ عشْرةَ، واغتسلت عندَ تمامِها وصلَّت، فهذا فرقٌ بين المُبتدأةِ بالاستِحاضةِ، وبينَ التي كان لها وقتٌ معلُومٌ.
وقال أحمدُ بن المُعذَّلِ: الذي كان عليه الجملةُ (¬٢) من العُلماءِ في القدِيم: أنَّ الحيضَ يكونُ خمسَ عشْرةَ ليلةً، لا يُجاوِزُ ذلك، وما جاوَزهُ، فهُو استِحاضةٌ.
قال: وعلى هذا كان قولُ أهلِ المدِينةِ القدِيمُ، وأهلِ الكُوفةِ، حتّى رجعَ عنهُ أبو حنِيفةَ، لحديثٍ بلَغهُ عنِ الجَلْدِ بن أيُّوب، عن مُعاوِيةَ بن قُرّةَ، عن أنسِ بن مالكٍ، أنَّهُ قال في المُستحاضةِ: تَنْتظِرُ عشرًا، لا تُجاوِزُ (¬٣). فقال أبو حنِيفةَ: لم أزَلْ أرى أن يكونَ أقلُّ الطُّهرِ أكثرَ من أكثرِ الحَيْضِ، وكنتُ أكرَهُ خِلافهُم، يعني فُقهاءَ الكُوفةِ، حتّى سمِعتُ هذا الحديث عن أنسٍ، فأنا آخُذُ به.
---------------
(¬١) في م: "مختلف".
(¬٢) في م: "الجلة".
(¬٣) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١١٥٠)، والدارمي (٨٣٤، ٨٣٦، ٨٣٩)، والدارقطني في سننه ١/ ٣٩٠ (٨١٤)، والبيهقي في الكبرى ١/ ٣٢٢، من طريق الجلد بن أيوب، به.

الصفحة 116