كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)

وأمّا الشّافعيُّ، فإنَّهُ قال (¬١): الحيضُ أقلُّ ما يكونُ يومٌ وليلةٌ، وأكثرُهُ خمسةَ عشرَ يومًا، فإن تمادَى بالمُبتدأةِ الدَّمُ أكثرَ من خمسةَ عشَرَ يومًا، اغتسلَتْ، وقَضتِ صلاةَ أربَعةَ عشَرَ يومًا، لأنَّها مُستحاضةٌ بيقينٍ إذا زادَتْ على خمسةَ عشَرَ يومًا، فإنَّ حيضَها أقلُّ الحَيْضِ احتِياطًا للصَّلاةِ، وإنِ انقطَعَ دمُها لخمسةَ عشرَ يومًا، أو دُونها، فهُو كلُّهُ حيضٌ.
وقال الشّافعيُّ (¬٢): إذا زادتِ المرأةُ على أيام حَيْضِها نظرَتْ، فإن كان الدَّمُ ثخِينًا محُتدِمًا، فتلك الحيضةُ، تدَعُ لها الصَّلاةَ، فإذا جاءَها الدَّمُ الأحمرُ، فذلك الاستِحاضةُ، تَغتسِلُ وتُصلِّي، ولا تَسْتظهِرُ بثلاثةِ أيام ولا بشيءٍ. قال: فإن لم يكُنِ الدَّمُ بالوصفِ الذي وصَفنا، تركتِ الصَّلاةَ أيامَ (¬٣) أقرائها ثمَّ تغتسِلُ وتُصلِّي، تعملُ عِندهُ على التَّميِيزِ، فإن لم تُميِّز، فعلى الأيام، فإن لم تعرِف، رجعَتْ إلى العُرفِ والعادةِ واليقِينِ.
وقولُ أبي ثورٍ في هذا كلِّهِ، مِثلُ قولِ الشّافعيِّ سَواءً.
قال أبو عُمر: الدَّمُ المُحتدِمُ، هُو الذي ليسَ برقِيقٍ، ولا بمُشرِقٍ، وهُو إلى الكُدْرةِ، والدَّمُ الأحمرُ المشرِقُ تقولُ لهُ العربُ: دمٌ عبِيطٌ. والعَبِيطُ هُو الطَّرِيُّ، غيرُ المُتغيِّرِ، تقولُ العربُ: اعتبطَ ناقَتَهُ، وبعِيرَهُ: إذا نحرَهُما من غيرِ عِلّةٍ، ومن هذا قولُهُم (¬٤):
من لم يمُتْ عَبْطةً يمُتْ هَرَمًا
---------------
(¬١) انظر: الأم ١/ ٨٥.
(¬٢) انظر: الأم ١/ ٧٨ - ٧٩.
(¬٣) من قوله: "بثلاثة أيام" إلى هنا، وقع مكانه في م: "في أيام الدم ... وفي أيام".
(¬٤) القائل هو أمية بن أبي الصلت، انظر: لسان العرب ٧/ ٣٤٧، والبيت في ديوانه، ص ٥١.
وهذا صدر البيت، وعجزه:
للموتِ كأسٌ والمرءُ ذائقُها

الصفحة 120