كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)

واختلفُوا في الحامِلِ تَرى الدَّم، هل ذلك استِحاضةٌ لا تمنعُها من الصَّلاةِ، أم هُو حيضٌ تَكُفُّ معهُ عنِ الصَّلاةِ (¬١)؟
فقال مالكٌ (¬٢)، والشّافعيُّ، واللَّيثُ بن سعدٍ، والطَّبرِيُّ: هُو حيضٌ، وتدعُ الصَّلاةَ. هذا هُو المشهُورُ من مذهبِ الشّافعيِّ، وقد رُوِي عنهُ: أنَّهُ ليسَ بحيضٍ.
والمشهُورُ من مذهبِ مالكٍ أيضًا: أنَّهُ حيضٌ يمنعُها من الصلاةِ إلّا ابنَ خُوَيْزمَنْدادَ قال: إنَّ هذا في مذهبِ مالكٍ، إذا رأتِ الدَّم في أيام عادتِها، فحِينئذٍ يكونُ حيضًا.
واختلفَ قولُ مالكٍ وأصحابِهِ في حُكم الحامِلِ إذا رأتِ الدَّم، فرُوِي عنهُ الفَرقُ بين أوَّلِ الحملِ وآخِرِهِ، ورُوِي عنهُ، وعن أصحابِهِ في ذلك رِواياتٌ، لم أرَ لذِكْرِها وَجهًا، وأصحُّ ما في ذلك على مذهبِه روايةُ (¬٣) أشهبَ عنهُ: أنَّ الحامِلَ في رُؤيتِها الدَّمَ، كغيرِ الحامِلِ سواءً.
وقال الثَّورِيُّ وأبو حنِيفةَ وأصحابُهُ والحسنُ بن حيٍّ وعُبيدُ الله (¬٤) بن الحسنِ والأوزاعِيُّ: ليسَ بحيضٍ، وإنَّما هُو اسْتِحاضةٌ، لا تكُفُّ به عنِ الصَّلاةِ. وهُو قولُ ابنِ عُليّةَ وداودَ.
---------------
(¬١) انظر: الموطأ ١/ ١٠٥ بإثر (١٥٤)، والمدونة ١/ ١٥٥، ومصنف عبد الرزاق ١/ ٣١٦ (١٢٠٩ - ١٢١٨)، ومصنف ابن أبي شيبة (٦٠٩٩ - ٦١١٢)، ومسائل الإمام أحمد رواية أبي داود، ص ٣٨، ومسائل الإمام أحمد وإسحاق ٣/ ١٣٢٠ (٧٥٥)، والأوسط لابن المنذر ٢/ ٣٦٦، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ١٧١، وأحكام القرآن للجصاص ٢/ ٢٢. وانظر فيها ما بعده.
(¬٢) انظر: الموطأ ١/ ١٠٥، بإثر رقم (١٥٣) و (١٥٤)، والمدونة ١/ ١٥٥، وأكثر هذه الآراء نقلها المصنف من مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٧١.
(¬٣) في م: "مذهب رواته" بدل: "مذهبه رواية".
(¬٤) في د ٤: "وأبو عبيد الله" وهو تحريف ظاهر، فهو: عبيد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

الصفحة 123