كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)

وحُجّةُ هؤُلاءِ، ومن قال بقولِهِم: أنَّ الأُمّةَ مُجمعةٌ على أنَّ الحامِلَ تُطلَّقُ للسُّنّةِ إذا استبانَ حملُها، من أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ، وأنَّ الحملَ كلَّهُ كالطُّهرِ الذي لم يُجامَعْ فيه.
ومن حُجَّتِهِم أيضًا، قولُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُوطأُ حامِلٌ حتّى تضعَ، ولا حائلٌ حتّى تحِيضَ" (¬١). قالوا: فهذا دليلٌ على أنَّ الحملَ ينفِي الحيضَ.
ومن حُجّةِ مالكٍ، ومن ذهبَ مذهبهُ، في أنَّ الحامِلَ تحِيضُ، ما يُحِيطُ به العِلمُ بأنَّ الحائضَ قد تحمِلُ، فكذلك جائزٌ أن تحِيضَ، كما جائزٌ أن تحمِلَ، والأصلُ في الدَّم الظّاهِرِ من الأرحام، أن يكونَ حيضًا، حتّى يتجاوزَ المِقدارَ الذي لا يكونُ مِثلُهُ حيضًا، فيكونُ حِينَئذٍ اسْتِحاضةً؛ لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- إنَّما حكَمَ بالاسْتِحاضةِ في دم زائدٍ على مِقدارِ الحيضِ، وليسَ في قولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُوطَأُ حامِلٌ حتّى تضعَ، ولا حائلٌ حتّى تحِيضَ" ما يَنْفِي أن يكونَ حيضٌ على حَملٍ، لأنَّ الحديثَ إنَّما وردَ في سَبْيِ أوطاسٍ، حِين أرادُوا وطئَهُنَّ، فأُخبرُوا أنَّ الحامِلَ لا براءةَ لرحِمِها بغيرِ الوَضْع، والحائل لا براءةَ لرحِمِها بغيرِ الحَيضِ، لا أنَّ (¬٢) الحامِلَ لا تحِيضُ، والله أعلمُ.
ومِمَّن قال: إنَّ الحامِل إذا رأتِ الدَّمَ، كفَّت عنِ الصلاةِ، كالحائضِ سواءً: ابنُ شِهابٍ الزُّهرِيُّ (¬٣)، وقَتادةُ، واللَّيثُ بن سعدٍ، وإسحاقُ بن راهُوية، وابنُ مهدِيٍّ، وجماعةٌ.
واختُلِف فيه على عائشةَ، فرُوِي عنها (¬٤) مِثلُ قولِ مالكٍ، والزُّهرِيِّ.
---------------
(¬١) سلف بإسناده، من حديث أبي سعيد وغيره، في شرح الحديث الخامس لربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهو في الموطأ ٢/ ١١٠ (١٧٤٠). وانظر تخريجه في موضعه.
(¬٢) في ف ٣: "إلا أن" بدل: "لا أن".
(¬٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٠٥ (١٥٤).
(¬٤) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٠٥ (١٥٣).

الصفحة 124