كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)

أحدٌ من أهلِ العِلم، غيرَ أنَّهُ إذا حجَّ بعد المُدّةِ الطَّوِيلةِ، لم يكُن قاضِيًا للحجِّ، كقضاءِ من تركَ الصَّلاةَ حتّى خرجَ وقتُها، فقُلنا: الوَقتُ ممدُودٌ بعدُ، وإن كان قد أخَّرَ تأخِيرًا مُسْتنكرًا، فإذا ماتَ عَلِمنا أنَّهُ قد أخَّر الفرضَ حتّى فاتَ بموتِهِ، وصارَ الموتُ علامةً لتَفرِيطِهِ، حِينَ فاتَ وقتُ حجِّهِ.
فإن قال قائلٌ: فمتى يكونُ عاصِيًا؟ وبماذا عَصَى؟ قُلنا: أمّا المَعْصِيةُ، فتأخِيرُهُ الفرضَ حتّى خرجَ وقتُهُ، ويَقعُ عِصْيانُهُ بالحالِ التي عَجزَ فيها عن (¬١) النُّهُوضِ إلى الحجِّ، وبانَ ذلك بالموتِ، وكذلك قال عُمرُ بن الخطّابِ: من ماتَ ولم يحُجَّ، فليَمُتْ يهُودِيًّا إن شاءَ، أو نصرانِيًّا (¬٢). فعلَّقَ الوقت بالموتِ، أي: يمُوتُ كما يمُوتُ اليهُودِيُّ والنَّصرانيُّ دُونَ أن يحُجَّ، والنَّصرانِيُّ واليهُودِيُّ يمُوتُ كافِرًا بكُفرِهِ، وهذا يمُوتُ عاصِيًا بتَركِهِ الحجَّ مُسْتطِيعًا لهُ.
قال أبو عُمر: الذي عِندِي في ذلك، واللَّهُ أعلمُ: أنَّهُ إذا جازَ لهُ التَّأخِيرُ، وكان مُباحًا لهُ، وهُو مُغَيَّبٌ عنهُ موتُهُ، فلم يَمُت عاصِيًا، إذا كانت نِيَّتُهُ مُنْعقِدةً على أداءِ ما وجَبَ من ذلك عليه، وهُو كمَنْ ماتَ في آخِرِ وقتِ صَلاةٍ، لم يَظُنَّ أنَّهُ يفُوتُهُ كلُّ الوَقْتِ، واللَّه أعلمُ.
وقدِ احتجَّ بعضُ النّاسِ لسُحنُونٍ، بما رُوي في الحديثِ المأثُورِ عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّهُ قال: "مُعترَكُ أُمَّتِي من السِّتِّينَ إلى السَّبعِينَ" (¬٣). وقلَّ من يُجاوِزُ ذلك.
---------------
(¬١) في م: "من".
(¬٢) أخرجه البيهقي في الكبرى ٣/ ٣٣٤.
(¬٣) أخرجه أبو يعلى (٦٥٤٣)، والخطيب في تاريخه ٣/ ٥١٤، والترمذي الحكيم في نوادر الأصول ١/ ٣٤٠ والبيهقي في شعب الإيمان (١٠٢٥٦)، وفي الآداب له (٨٠٠)، والقضاعي في الشهاب (٢٥١)، والسخاوي في المقاصد الحسنة، ص ١٢٦، من حديث أبي هريرة. وهو من رواية إبراهيم بن الفضل بن سليمان، عن المقبري، عن أبي هريرة. وإبراهيم هذا ضعيف جدًا.

الصفحة 205