كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 10)
وقد شذَّ داودُ، فلم يَرَ الزكاةَ في العروض، وإن نَوَى بها صاحِبُها التِّجارةَ، وحُجَّتُهُ الحديثُ المذكُورُ في هذا البابِ، قولُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليسَ على المُسلِم في عَبدِهِ، ولا فرسِهِ صَدَقةٌ". قال: ولم يقُل: إلّا أن يَنْويَ بها التِّجارةَ.
واحتجَّ ببراءةِ الذِّمّةِ، وأنَّهُ لا يجِبُ فيها شيءٌ إلّا باتِّفاقٍ، أو دليلٍ لا مُعارِضَ لهُ.
قال: والاختِلافُ في زكاةِ العُرُوضِ موجُودٌ. فذكرَ عن عائشةَ، وابنِ عبّاسٍ، وعطاءٍ، وعَمرِو بن دينارٍ، ما ذكرنا، وذكر عن مالكٍ مذهبَهُ فيما بارَ من العُرُوضِ على التُّجّارِ وكسَدَ (¬١) مِمَّن ليسَ بمديرٍ، وقولُهُ في التّاجِرِ يبيعُ العَرْض بالعَرْضِ، ولا ينِضُّ لهُ شيءٌ في حَوْلِهِ. وجعلَ هذا خِلافًا، أسقَطَ به الزَّكاةَ في العُرُوضِ، واحتجَّ بقولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليسَ على المُسلِم في عَبدِهِ، ولا في فرسِهِ صَدَقةٌ".
وقال سائرُ العُلماءِ: إنَّما معنَى هذا الحديثِ فيما يُقْتَنى من العُرُوضِ، ولا يُرادُ به التِّجارةُ.
وللعُلماءِ في زَكاةِ العُرُوضِ التي تُبتاعُ للتِّجارةِ، قولانِ أيضًا، أحدُهُما: أنَّ صاحِبَها يُزكِّيها عنِ الثَّمنِ الذي اشْتَراها به. والآخرُ: أنَّها تُقَوَّمُ بالِغًا ما بلَغَتْ، نقَصَتْ أو زادَتْ.
والمديرُ وغيرُ المديرِ عندَ جُمهُورِ أهلِ العِلم سواءٌ، يُقوِّمُ عندَ رأسِ الحَوْلِ ويُزكِّي كلَّ ما (¬٢) نَوَى به التِّجارةَ، في كلِّ حولٍ (¬٣).
---------------
(¬١) في م: "وكعبد".
(¬٢) في ي ١: "كما" بدل: "كل ما".
(¬٣) انظر: الأصل لمحمد بن الحسن ٢/ ٩٨، والأم للشافعي ٢/ ٥٠، والمدونة لسحنون ١/ ٣١١، ومسائل أحمد وإسحاق للكوسج ٣/ ١١٢٥ (٦٣٨)، والإشراف لابن المنذر ٣/ ٨١، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ٤٣٢، والمعونة على مذهب عالم المدينة لعبد الوهاب البغدادي ١/ ٣٧٢. وانظر فيها ما بعده.