كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

(قَوْلُهُ بَابُ شُرْبِ الْبَرَكَةِ وَالْمَاءُ الْمُبَارَكُ)
قَالَ الْمُهَلَّبُ سُمِّيَ الْمَاءُ بَرَكَةً لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ مُبَارَكًا فِيهِ يُسَمَّى بَرَكَةً

[5639] قَوْلُهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ سَمِعْتُ جَابِرًا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الْمَغَازِي قَوْلُهُ قَدْ رَأَيْتُنِي بِضَمِّ التَّاءِ وَفِيهِ نَوْعُ تَجْرِيدٍ قَوْلُهُ وَحَضَرَتِ الْعَصْرُ أَيْ وَقْتَ صَلَاتِهَا وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى أَهْلِ الْوُضُوءِ كَذَا وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ حَيَّ عَلَى الْوُضُوءِ بِإِسْقَاطِ لَفْظِ أَهْلٍ وَهِيَ أَصْوَبُ وَقَدْ وُجِّهَتْ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا بِأَنْ يَكُونَ أَهْلُ بِالنَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ حَيَّ عَلَى الْوُضُوءِ الْمُبَارَكِ يَا أَهْلَ الْوُضُوءِ كَذَا قَالَ عِيَاضٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَجْرُورَ بِعَلَى غَيْرُ مَذْكُورٍ وَقَالَ غَيْرُهُ الصَّوَابُ حَيَّ هَلًا عَلَى الْوُضُوءِ الْمُبَارَكِ فَتَحَرَّفَ لَفْظُ هَلًا فَصَارَت أهل وحولت عَن مَكَانهَا وَحي اسْمُ فِعْلٍ لِلْأَمْرِ بِالْإِسْرَاعِ وَتُفْتَحُ لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا مِثْلَ لَيْتَ وَهَلًا بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالتَّنْوِينِ كَلِمَةُ اسْتِعْجَالٍ قَوْلُهُ فَجَعَلْتُ لَا آلُو بِالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ الْمَضْمُومَةِ أَيْ لَا أُقَصِّرُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ جَعَلَ يَسْتَكْثِرُ مِنْ شُرْبِهِ مِنْ ذَلِكَ المَاء لأجل الْبركَة قَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا سَرَفَ وَلَا شَرَهَ فِي الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ الْبَرَكَةُ بِالْمُعْجِزَةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِكْثَارُ مِنْهُ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ فِي تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الشُّرْبِ مِنْهُ الْإِكْثَارُ دُونَ الْمُعْتَادِ الَّذِي وَرَدَ بِاسْتِحْبَابِ جَعْلِ الثُّلُثِ لَهُ وَلِئَلَّا يُظَنُّ أَنَّ الشُّرْبَ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ فِعْلَ جَابِرٍ مَا ذَكَرَ دَالٌ عَلَى أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْبَرَكَةِ أَكْثَرُ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الرِّيِّ وَالظَّاهِرُ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَمْنُوعًا لَنَهَاهُ قَوْلُهُ فَقُلْتُ لِجَابِرٍ الْقَائِلُ هُوَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ رَاوِيهِ عَنْهُ قَوْلُهُ كَمْ كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ قَالَ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ كَذَا لَهُمْ بِالرَّفْعِ وَالتَّقْدِيرُ نَحْنُ يَوْمئِذٍ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى خَبَرِ كَانَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ عَلَى جَابِرٍ فِي عَدَدِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بَابِ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الْمَغَازِي وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ هُنَاكَ وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ شَرْحِ الْمَتْنِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ قَوْلُهُ تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَتْحِ مُخْتَصَرًا كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ مَقْصُودُهُ بِالْمُتَابَعَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا جَمِيعُ سِيَاقِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ وَقَالَ حُصَيْنٌ وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَن سَالم هُوَ بن أَبِي الْجَعْدِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةٍ أَمَّا رِوَايَةُ حُصَيْنٍ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الْمَغَازِي وَأَمَّا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ بِلَفْظِ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا زِيَادَةً عَلَى أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَلْغَى الْكَسْرَ وَمَنْ قَالَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ جَبَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَبَيَانُ تَوْجِيهِ مَنْ قَالَ ألف وثلاثمائة مائَة وَلِلَّهِ الْحَمْدُ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى أَحَدٍ وَتِسْعِينَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقِ مِنْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ طَرِيقًا وَالْبَاقِي مَوْصُولٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى سَبْعُونَ طَرِيقًا وَالْبَاقِي خَالِصٌ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ وَأَبِي عَامِرٍ فِي الْمَعَازِفِ وَحَدِيثِ بن أَبِي أَوْفَى فِي الْجَرِّ الْأَخْضَرِ وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْأَقْدَاحِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُوَ مُعَلَّقٌ وَحَدِيثِ جَابِرٍ فِي الْكَرْعِ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ وَحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ فِي قَدَحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَرْبَعَة عشر أثرا وَالله أعلم

الصفحة 102