كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُ ثَوَابَ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُسَاوِيَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ شَيْئًا وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّ الْمَرِيضَ يُكْتَبُ لَهُ الْأَجْرُ بِمَرَضِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ مَرَضٍ يُصِيبُنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْحُمَّى لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنِّي وَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ عُضْوٍ قِسْطَهُ مِنَ الْأَجْرِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَقُولُهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِرَأْيِهِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا جَزَاءُ الْحُمَّى قَالَ تَجْرِي الْحَسَنَاتُ عَلَى صَاحِبِهَا مَا اخْتَلَجَ عَلَيْهِ قَدَمٌ أَوْ ضُرِبَ عَلَيْهِ عِرْقٌ الْحَدِيثَ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ عَلَى حَالَيْنِ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ ذُنُوبٌ مَثَلًا أَفَادَ الْمَرَضُ تَمْحِيصَهَا وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ذُنُوبٌ كُتِبَ لَهُ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ بَنِي آدَمَ وُجُودَ الْخَطَايَا فِيهِمْ أَطْلَقَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْمَرَضَ كَفَّارَةٌ فَقَطْ وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ وَمَنْ أَثْبَتَ الْأَجْرَ بِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَحْصِيلِ ثَوَابٍ يُعَادِلُ الْخَطِيئَةَ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ خَطِيئَةٌ تَوَفَّرَ لِصَاحِبِ الْمَرَضِ الثَّوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَقد استبعد بن عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ حُصُولَ الْأَجْرِ عَلَى نَفْسِ الْمُصِيبَةِ وَحَصَرَ حُصُولَ الْأَجْرِ بِسَبَبِهَا فِي الصَّبْرِ وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهَا إِلَى أَهْلِ قُبَاءَ فَشَكَوْا إِلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ مَا شِئْتُمْ إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكُمْ فَكَشَفَهَا عَنْكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ طَهُورًا قَالُوا فَدَعْهَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَاخِذْهُمْ بِشَكْوَاهُمْ وَوَعَدَهُمْ بِأَنَّهَا طَهُورٌ لَهُمْ قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصِيبَةَ إِذَا قَارَنَهَا الصَّبْرُ حَصَلَ التَّكْفِيرُ وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلِ الصَّبْرُ نُظِرَ إِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنَ الْجَزَعِ مَا يُذَمُّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَالْفَضْلُ وَاسِعٌ وَلَكِنِ الْمَنْزِلَةُ مُنْحَطَّةٌ عَنْ مَنْزِلَةِ الصَّابِرِ السَّابِقَةِ وَإِنْ حَصَلَ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِنَقْصِ الْأَجْرِ الْمَوْعُودِ بِهِ أَوِ التَّكْفِيرِ فَقَدْ يَسْتَوِيَانِ وَقَدْ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَبِقَدْرِ ذَلِكَ يُقْضَى لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَيُشِيرُ إِلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَرِيبًا وَاللَّهُ أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ شِدَّةِ الْمَرَضِ)
أَيْ وَبَيَانِ مَا فِيهَا مِنَ الْفَضْلِ

[5646] قَوْلُهُ وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّد أخبرنَا عبد الله هُوَ بن الْمُبَارَكِ قَوْلُهُ عَنِ الْأَعْمَشِ كَذَا أَعَادَ الْأَعْمَشُ بَعْدَ التَّحْوِيلِ وَلَوْ وَقْفَ فِي السَّنَدِ الْأَوَّلِ عِنْدَ سُفْيَانَ وَحَوَّلَ ثُمَّ قَالَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ لَكَانَ سَائِغًا لَكِنْ أَظُنُّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ سَاقَهُ عَلَى لَفْظِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ شُعْبَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى عَنْ بن الْمُبَارَكِ بِلَفْظِ مَا رَأَيْت الْوَجَع عَلَى أَحَد أَشَدّ مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَاقَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَبِيصَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ وَالْمُرَادُ بِالْوَجَعِ الْمَرَضُ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ وَجَعٍ مَرَضًا ثُمَّ ذَكَرَ المُصَنّف حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَقَوْلُهُ

الصفحة 110