كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

طَرِيقه ثمَّ من رِوَايَة عَطاء الخرساني عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَرَانِي حَبَشِيَّةً صَفْرَاءَ عَظِيمَةً فَقَالَ هَذِهِ سُعَيْرَةُ الْأَسَدِيَّةُ قَوْلُهُ فَقَالَتْ إِنَّ بِي هَذِهِ المؤتة وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ الْجُنُونُ وَأخرجه بن مَرْدَوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ إِنَّ بِي هَذِهِ الْمُؤْتَةَ يَعْنِي الْجُنُون وَزَاد فِي رِوَايَته وَكَذَا بن مَنْدَهْ أَنَّهَا كَانَتْ تَجْمَعُ الصُّوفَ وَالشَّعْرَ وَاللِّيفَ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ لَهَا كُبَّةٌ عَظِيمَةٌ نَقَضَتْهَا فَنَزَلَ فِيهَا وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها الْآيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النَّحْلِ أَنَّهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى قَوْلُهُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ بِمُثَنَّاةٍ وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ التَّكَشُّفِ وَبِالنُّونِ السَّاكِنَةِ مُخَفَّفًا مِنَ الِانْكِشَافِ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا خَشِيَتْ أَنْ تَظْهَرَ عَوْرَتُهَا وَهِيَ لَا تَشْعُرُ قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى حَدثنَا مُحَمَّد هُوَ بن سَلَامٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَمَخْلَدٌ هُوَ بن يَزِيدَ قَوْلُهُ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْفَاءِ قَوْلُهُ تِلْكَ الْمَرْأَةُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ تِلْكَ امْرَأَةٌ قَوْلُهُ عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ جَالِسَةٌ عَلَيْهَا مُعْتَمِدَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ رَأَى ثُمَّ وَجَدْتُ الْحَدِيثَ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ بِهَذَا السَّنَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا بِعَيْنِهِ وَقَالَ عَلَى سُلَّمِ الْكَعْبَةِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ إِنِّي أَخَافُ الْخَبِيثَ أَنْ يُجَرِّدَنِي فَدَعَا لَهَا فَكَانَتْ إِذَا خَشِيَتْ أَنْ يَأْتِيَهَا تَأْتِي أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ فَتَتَعَلَّقُ بِهَا وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن بن جريج هَذَا الحَدِيث مطولا وَأخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بن مُحَمَّد عَن بن جُرَيْجٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْمَجَانِينِ فَيَضْرِبُ صَدْرَ أَحَدِهِمْ فَيَبْرَأُ فَأُتِيَ بِمَجْنُونَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ زُفَرَ فَضَرَبَ صدرها فَلم تَبرأ قَالَ بن جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ فَذَكَرَ كَالَّذِي هُنَا وَأَخْرَجَهُ بن مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ طَاوُسٍ فَزَادَ وَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهَا خيرا وَزَاد فِي آخِره فَقَالَ إِنْ يَتْبَعْهَا فِي الدُّنْيَا فَلَهَا فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَعُرِفَ مِمَّا أَوْرَدْتُهُ أَنَّ اسْمَهَا سعيرة وَهِي بمهملتين مصغر وَوَقع فِي رِوَايَة بن مَنْدَهْ بِقَافٍ بَدَلَ الْعَيْنِ وَفِي أُخْرَى لِلْمُسْتَغْفِرِيِّ بِالْكَاف وَذكر بن سَعْدٍ وَعَبْدُ الْغَنِيِّ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْرِ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ مَاشِطَةُ خَدِيجَةَ الَّتِي كَانَتْ تَتَعَاهَدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّيَارَةِ كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي أَوْرَدَتْهَا أَنَّ الَّذِي كَانَ بِأُمِّ زُفَرَ كَانَ مِنْ صَرْعِ الْجِنِّ لَا من صرع الْخَلْط وَقد أخرج الْبَزَّار وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ شَبِيهًا بِقِصَّتِهَا وَلَفْظُهُ جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِهَا لَمَمٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتِ ادْعُ اللَّهَ فَقَالَ إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكِ وَإِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَا حِسَابَ عَلَيْكِ قَالَتْ بَلْ أَصْبِرُ وَلَا حِسَابَ عَلَيَّ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ مَنْ يُصْرَعُ وَأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى بَلَايَا الدُّنْيَا يُورِثُ الْجَنَّةَ وَأَنَّ الْأَخْذَ بِالشِّدَّةِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الطَّاقَةَ وَلَمْ يَضْعُفْ عَنِ الْتِزَامِ الشِّدَّةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ التَّدَاوِي وَفِيهِ أَنَّ عِلَاجَ الْأَمْرَاضِ كُلَّهَا بِالدُّعَاءِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ أَنْجَعُ وَأَنْفَعُ مِنَ الْعِلَاجِ بِالْعَقَاقِيرِ وَأَنَّ تَأْثِيرَ ذَلِكَ وَانْفِعَالَ الْبَدَنِ عَنْهُ أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيرِ الْأَدْوِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْجَعُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعَلِيلِ وَهُوَ صِدْقُ الْقَصْدِ وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ الْمُدَاوِي وَهُوَ قُوَّةُ تَوَجُّهِهِ وَقُوَّةُ قلبه بالتقوى والتوكل وَالله أعلم

الصفحة 115