كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

الْمُشْرِكِينَ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ اتِّسَاعَ الدُّنْيَا عَلَيْهِ يَكُونُ ثَوَابَ ذَلِكَ التَّعْذِيبِ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ لَوْ بَقِيَ لَهُ أَجْرُهُ مُوَفَّرًا فِي الْآخِرَةِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَا فَعَلَ مِنَ الْكَيِّ مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ كَمَا قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ نُهِينَا عَنِ الْكَيِّ فاكتوينا فَمَا أفلحنا أخرجه قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ قُلْتُ وَكَذَلِكَ الَّذِي قَبْلَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِ الْكَيِّ قَرِيبًا فِي كِتَابِ الطِّبِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا زَادَ فِي الرِّقَاقِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ شَيْئًا أَيْ لَمْ تَنْقُصْ أُجُورُهُمْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَجَّلُوهَا فِي الدُّنْيَا بَلْ بَقِيَتْ مُوَفَّرَةً لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَكَأَنَّهُ عَنَى بِأَصْحَابِهِ بَعْضَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ مَاتَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا مَنْ عَاشَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُمُ اتَّسَعَتْ لَهُمُ الْفُتُوحُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَقَدْ مَضَى فِي الْجَنَائِزِ وَفِي الْمَغَازِي أَيْضًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنَى جَمِيعَ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَأَنَّ مَنِ اتَّسَعَتْ لَهُ الدُّنْيَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ إِمَّا لِكَثْرَةِ إِخْرَاجِهِمُ الْمَالَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَكَانَ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِذْ ذَاكَ كَثِيرًا فَكَانَتْ تَقَعُ لَهُمُ الْمَوْقِعُ ثُمَّ لَمَّا اتَّسَعَ الْحَالُ جِدًّا وَشَمَلَ الْعَدْلَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ اسْتَغْنَى النَّاسُ بِحَيْثُ صَارَ الْغَنِيُّ لَا يَجِدُ مُحْتَاجًا يَضَعُ بِرَّهُ فِيهِ وَلِهَذَا قَالَ خَبَّابٌ وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لَا تَجِد لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَابَ أَيِ الْإِنْفَاقَ فِي الْبُنْيَانِ وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ أَرَادَ خَبَّابٌ بِهَذَا الْقَوْلِ الْمَوْتَ أَيْ لَا يَجِدُ لِلْمَالِ الَّذِي أَصَابَهُ إِلَّا وَضعه فِي الْقَبْر حَكَاهُ بن التِّينِ وَرَدَّهُ فَأَصَابَ وَقَالَ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا أَصَابُوا مِنَ الْمَالِ قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ لِأَحْمَدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَّا التُّرَابَ وَكَانَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ وَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ نَحْوَهُ بِاخْتِصَارٍ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَأَوَّلُهُ دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ وَهُوَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعًا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ وَلَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ الدُّعَاءُ بِالْمَوْتِ أَخَصُّ من تمنى الْمَوْت وكل دُعَاء تمنى مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهُوَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ تَكْرَارُ الْمَجِيءِ وَهُوَ أَحْفَظُ الْجَمِيعِ فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِصَّةَ بِنَاءِ الْحَائِطِ كَانَتْ سَبَبَ قَوْلِهِ أَيْضًا وَإِنَّا أَصَبْنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا لَا نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَابَ قَوْلُهُ إِنَّ الْمُسْلِمَ لِيُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ إِلَّا فِي شَيْءٍ يَجْعَلُهُ فِي هَذَا التُّرَابِ أَيِ الَّذِي يُوضَعُ فِي الْبُنْيَانِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْبِيهٌ هَكَذَا وَقَعَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ جَمِيعًا عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَهُوَ يُعَالِجُ حَائِطًا لَهُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمُسْلِمَ يُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إِلَّا مَا يَجْعَلُهُ فِي التُّرَابِ وَعُمَرُ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

[5673] قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هُوَ أَبُو عبيد مولى بن أَزْهَر واسْمه سعيد بن عبيد وبن أَزْهَرَ الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَزْهَر بن عَوْف وَهُوَ بن أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ هَكَذَا اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَخَالَفَهُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ رِوَايَةُ الزُّبَيْدِيِّ أَوْلَى

الصفحة 129