كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

كَالْعِلْمِ وَأَنْوَاعِ الْفَضْلِ الْمُتَعَدِّي فَقَدْ جَزَمَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّهُ أَوْلَى لِعُمُومِ نَفْعِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ وَهِي خير من مُسِنَّة وَحكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الْمُسِنَّةَ الَّتِي سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا لِلْبَدَلِ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُسِنُّ الثَّنِيُّ الَّذِي يُلْقِي سِنَّهُ وَيَكُونُ فِي ذَاتِ الْخُفِّ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَفِي ذَاتِ الظِّلْفِ وَالْحَافِرِ فِي السّنة الثَّالِثَة وَقَالَ بن فَارِسٍ إِذَا دَخَلَ وَلَدُ الشَّاةِ فِي الثَّالِثَةِ فَهُوَ ثَنِيٌّ وَمُسِنٌّ قَوْلُهُ قَالَ اذْبَحْهَا وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ فِي رِوَايَةِ فِرَاسٍ الْآتِيَةِ فِي بَابِ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَأَذْبَحُهَا قَالَ نَعَمْ ثُمَّ لَا تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَنْ تَجْزِيَ إِلَخْ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنِ الْبَرَاءِ كَمَا فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَلَيْسَتْ فِيهَا رُخْصَةٌ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ وَقَوْلُهُ تَجْزِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ أَيْ تَقْضِي يُقَالُ جَزَا عَنِّي فُلَانٌ كَذَا أَيْ قَضَى وَمِنْهُ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا أَي لَا تقضي عَنْهَا قَالَ بن بري الْفُقَهَاء يَقُولُونَ لَا تجزىء بِالضَّمِّ وَالْهَمْزِ فِي مَوْضِعِ لَا تَقْضِي وَالصَّوَابُ بِالْفَتْحِ وَتَرْكِ الْهَمْزِ قَالَ لَكِنْ يَجُوزُ الضَّمُّ وَالْهَمْزُ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ يُقَالُ أَجْزَأَ عَنْكَ وَقَالَ صَاحِبُ الْأَسَاسِ بَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ الْبَدَنَةُ تُجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ تَجْزِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِهِمَا قُرِئَ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نفس شَيْئا وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَنْعِ ضَمِّ أَوَّلِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ أَبِي بُرْدَةَ بِإِجْزَاءِ الْجَذَعِ مِنَ الْمَعْزِ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَكِنْ وَقَعَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ التَّصْرِيحُ بِنَظِيرِ ذَلِكَ لِغَيْرِ أَبِي بُرْدَةَ فَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَلَا رُخْصَةَ فِيهَا لِأَحَدٍ بَعْدَكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَحْفُوظَةً كَانَ هَذَا رُخْصَةً لِعُقْبَةَ كَمَا رَخَّصَ لِأَبِي بُرْدَةَ قُلْتُ وَفِي هَذَا الْجَمْعِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صِيغَةَ عُمُومٍ فَأَيُّهُمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْآخَرِ اقْتَضَى انْتِفَاءَ الْوُقُوعِ لِلثَّانِي وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِيهِ إِنَّ ذَلِكَ صَدَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ تَكُونُ خُصُوصِيَّةُ الْأَوَّلِ نُسِخَتْ بِثُبُوت الخصوصية للثَّانِي وَلَا مَانع من ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي السِّيَاقِ اسْتِمْرَارُ الْمَنْع لغيره صَرِيحًا وَقد انْفَصل بن التِّينِ وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْعَتُودُ كَانَ كَبِيرَ السِّنِّ بِحَيْثُ يُجزئ لَكِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي آخِرِهِ لَمْ تَقَعْ لَهُ وَلَا يَتِمُّ مُرَادُهُ مَعَ وُجُودِهَا مَعَ مُصَادَمَتِهِ لِقَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي الْعَتُودِ وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِكَلَام بن التِّينِ فَضَعَّفَ الزِّيَادَةَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ مَخْرَجِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيِّ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ فِي الْحِفْظِ وَالْفِقْهِ وَسَائِرِ فُنُونِ الْعِلْمِ رَوَاهَا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بِالسَّنَدِ الَّذِي سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَكِنِّي رَأَيْتُ الْحَدِيثَ فِي الْمُتَّفَقِ لِلْجَوْزَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَلَيْسَتِ الزِّيَادَةُ فِيهِ فَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي قَوْلِ الْبَيْهَقِيِّ إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً فَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى التَّفَرُّدَ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ عَلَى رَاوِيهَا حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الَّذِينَ ثَبَتَتْ لَهُمُ الرُّخْصَةُ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ وَاسْتَشْكَلَ الْجَمْعُ وَلَيْسَ بِمُشْكِلٍ فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِالنَّفْيِ إِلَّا فِي قِصَّةِ أَبِي بُرْدَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي قِصَّةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي الْبَيْهَقِيّ وَأما مَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ عَتُودًا جَذَعًا فَقَالَ ضَحِّ بِهِ فَقُلْتُ إِنَّهُ جَذَعٌ أَفَأُضَحِّي بِهِ قَالَ نَعَمْ ضَحِّ بِهِ فَضَحَّيْتُ بِهِ لفظ أَحْمد وَفِي صَحِيح بن حبَان وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عُوَيْمِرِ بْنِ أَشْقَرَ أَنَّهُ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ أُضْحِيَّةً أُخْرَى وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْأَوْسَط من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ جَذَعًا مِنَ الْمَعْزِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ

الصفحة 14