كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

الْحَارُّ فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ الْحَارَّةِ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ لَا يُسْتَنْكَرُ كَالْعَنْزَرُوتِ فَإِنَّهُ حَارٌّ وَيُسْتَعْمَلُ فِي أَدْوِيَةِ الرَّمَدِ الْمُرَكَّبَةِ مَعَ أَنَّ الرَّمَدَ وَرَمٌ حَارٌّ بِاتِّفَاقِ الْأَطِبَّاءِ وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ إِنَّ طَبْعَ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ حَارٌّ يَابِسٌ وَهِيَ مُذْهِبَةٌ لِلنَّفْخِ نَافِعَةٌ مِنْ حُمَّى الرِّبْعِ وَالْبَلْغَمِ مُفَتِّحَةٌ لِلسُّدَدِ وَالرِّيحِ مُجَفِّفَةٌ لِبَلَّةِ الْمَعِدَةِ وَإِذَا دُقَّتْ وَعُجِنَتْ بِالْعَسَلِ وَشُرِبَتْ بِالْمَاءِ الْحَارِّ أَذَابَتِ الْحَصَاةَ وَأَدَرَّتِ الْبَوْلَ وَالطَّمْثَ وَفِيهَا جَلَاءٌ وَتَقْطِيعٌ وَإِذَا دُقَّتْ وَرُبِطَتْ بِخِرْقَةٍ مِنْ كَتَّانٍ وَأَدِيمٍ شَمُّهَا نَفَعٌ مِنَ الزُّكَامِ الْبَارِدِ وَإِذَا نُقِعَ مِنْهَا سَبْعُ حَبَّاتٍ فِي لَبَنِ امْرَأَةٍ وَسَعَطَ بِهِ صَاحِبُ الْيَرَقَانِ أَفَادَهُ وَإِذَا شُرِبَ مِنْهَا وَزْنُ مِثْقَالٍ بِمَاءٍ أَفَادَ مِنْ ضِيقِ النَّفْسِ وَالضِّمَادُ بِهَا يَنْفَعُ مِنَ الصُّدَاعِ الْبَارِدِ وَإِذَا طُبِخَتْ بِخَلٍّ وَتُمُضْمِضَ بِهَا نَفَعَتْ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ الْكَائِنِ عَنْ بَرْدٍ وَقَدْ ذَكَرَ بن الْبَيْطَارِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الْمُفْرَدَاتِ فِي مَنَافِعِهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَأَكْثَرُ مِنْهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ هُوَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي طَبْعِ شَيْءٍ مِنَ النَّبَاتِ مَا يَجْمَعُ جَمِيعَ الْأُمُورِ الَّتِي تُقَابِلُ الطَّبَائِعَ فِي مُعَالَجَةِ الْأَدْوَاءِ بِمُقَابِلِهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يَحْدُثُ مِنَ الرُّطُوبَةِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْعَسَلُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يَكُونَ دَوَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ مِنَ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ مِنَ الْأَمْرَاضِ مَا لَوْ شَرِبَ صَاحِبُهُ الْعَسَلَ لَتَأَذَّى بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْعَسَلِ فِيهِ شِفَاء للنَّاس الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ فَحَمْلُ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى وَقَالَ غَيْرُهُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِفُ الدَّوَاءَ بِحَسَبِ مَا يُشَاهِدُهُ مِنْ حَالِ الْمَرِيضِ فَلَعَلَّ

[5688] قَوْلَهُ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَافَقَ مَرَضَ مَنْ مِزَاجُهُ بَارِدٌ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ أَيْ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ الَّذِي وَقَعَ الْقَوْلُ فِيهِ وَالتَّخْصِيصُ بِالْحَيْثِيَّةِ كَثِيرٌ شَائِعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَخَصُّوا عُمُومَهُ وَرَدُّوهُ إِلَى قَول أهل الطِّبّ والتجربة ولاخفاء بِغَلَطِ قَائِلِ ذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا صَدَّقْنَا أَهْلَ الطِّبِّ وَمَدَارُ عِلْمِهِمْ غَالِبًا إِنَّمَا هُوَ عَلَى التَّجْرِبَةِ الَّتِي بِنَاؤُهَا عَلَى ظَنٍّ غَالِبٍ فَتَصْدِيقُ مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ كَلَامِهِمْ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ حَمْلِهِ عَلَى عُمُومِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّرْكِيبِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَلَا خُرُوجَ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَوْلُهُ وَسَعِيدٌ هُوَ بن الْمُسَيَّبِ كَذَا فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ اقْتَصَرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَا مِنْ دَاءٍ إِلَّا وَفِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ مِنْهُ شِفَاءٌ إِلَّا السَّامَ قَوْلُهُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ كَذَا عَطَفَهُ عَلَى تَفْسِير بن شِهَابٍ لِلسَّامِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ أَيْضًا لَهُ وَالشُّونِيزُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا زَايٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَيَّدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الشِّينَ بِالْفَتْحِ وَحكى عِيَاض عَن بن الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ كَسَرَهَا فَأَبْدَلَ الْوَاوَ يَاءً فَقَالَ الشِّينِيزُ وَتَفْسِيرُ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ بِالشُّونِيزِ لِشُهْرَةِ الشُّونِيزِ عِنْدَهُمْ إِذْ ذَاكَ وَأَمَّا الْآنَ فَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ مِنَ الشُّونِيزِ بِكَثِيرٍ وَتَفْسِيرُهَا بِالشُّونِيزِ هُوَ الْأَكْثَرُ الْأَشْهَرُ وَهِيَ الْكَمُّونُ الْأَسْوَدُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْكَمُّونُ الْهِنْدِيُّ وَنَقَلَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا الْخَرْدَلُ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ أَنَّهَا ثَمَرَةُ الْبُطْمِ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُ شَجَرَتِهَا الضِّرْوُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ صَمْغُ شَجَرَةٍ تُدْعَى الْكَمْكَامُ تُجْلَبُ مِنَ الْيَمَنِ وَرَائِحَتُهَا طَيِّبَةٌ وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْبَخُورِ قُلْتُ وَلَيْسَتِ الْمُرَادُ هُنَا جَزْمًا وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ تَفْسِيرُهَا بِالشُّونِيزِ أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالثَّانِي كَثْرَةُ مَنَافِعِهَا بِخِلَافِ الْخَرْدَلِ وَالْبُطْمِ

الصفحة 145