كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

لِكَوْنِهِ تَهَاوَنَ بِالْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْحِجَامَةَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُرْقَأُ فِيهَا وَوَرَدَ فِي عَدَدٍ مِنَ الشَّهْرِ أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَسَعِيدٌ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُ وَلَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَله شَاهد من حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ وَشَاهِدٌ آخَرُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ بن مَاجَهْ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ لَكِنْ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِكَوْنِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ كَانَ أَحْمَدُ يَحْتَجِمُ أَيْ وَقْتَ هَاجَ بِهِ الدَّمُ وَأَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ ثُمَّ فِي الرُّبُعِ الثَّالِثِ مِنْ أَرْبَاعِهِ أَنْفَعُ مِنَ الْحِجَامَةِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ قَالَ الْمُوَفَّقُ الْبَغْدَادِيُّ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخْلَاطَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تَهِيجُ وَفِي آخِرِهِ تَسْكُنُ فَأَوْلَى مَا يَكُونُ الِاسْتِفْرَاغُ فِي أَثْنَائِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ بَابُ الْحَجْمِ فِي السَّفَرِ وَالْإِحْرَامِ)
قَالَهُ بن بُحَيْنَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَوْرَدَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مَوْصُولا عَن عبد اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَقَدْ تبين فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ مُحْرِمًا فَانْتُزِعَتِ التَّرْجَمَةُ من الْحَدِيثين مَعًا على أَن حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَحْدَهُ كَافٍ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحْرِمًا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ قَطُّ وَهُوَ مُقِيمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِحِجَامَةِ الْمُحْرِمِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَأَمَّا الْحِجَامَةُ لِلْمُسَافِرِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا تُفْعَلُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا مِنْ هَيَجَانِ الدَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِحَالَةٍ دُونَ حَالَة وَالله أعلم

الصفحة 150