كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ مِثْلَ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ وَأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِيهِ الْقِصَّةَ الَّتِي فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ فِي بن مَاجَهْ بِاخْتِصَارٍ فَالْحَاصِلُ مِنْ ذَلِكَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ الْعَدْوَى وَالطِّيَرَةُ وَالْهَامَةُ وَالصَّفَرُ وَالْغُولُ وَالنَّوْءُ وَالْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ قَدْ أَفْرَدَ الْبُخَارِيُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَرْجَمَةً فَنَذْكُرُ شَرْحَهَا فِيهِ وَأَمَّا الْغُولُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الْغِيلَانَ فِي الْفَلَوَاتِ وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ وَتَتَغَوَّلُ لَهُمْ تَغَوُّلًا أَيْ تَتَلَوَّنُ تَلَوُّنًا فَتَضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ فَتُهْلِكُهُمْ وَقَدْ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ غَالَتْهُ الْغُولُ أَيْ أَهْلَكَتْهُ أَوِ أَضَلَّتْهُ فَأَبْطَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ إِبْطَالُ وُجُودِ الْغِيلَانِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِبْطَالُ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُهُ مِنْ تَلَوُّنِ الْغُولِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ قَالُوا وَالْمَعْنَى لَا يَسْتَطِيعُ الْغُولُ أَنْ يُضِلَّ أَحَدًا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ أَيِ ادْفَعُوا شَرَّهَا بِذَكَرِ اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ قَوْلِهِ كَانَتْ لِي سَهْوَةٌ فِيهَا تَمْرٌ فَكَانَتِ الْغُولُ تَجِيءُ فَتَأْكُلُ مِنْهُ الْحَدِيثَ وَأَمَّا النَّوْءُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ وَكَانُوا يَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَأَبْطَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَطَرَ إِنَّمَا يَقَعُ بِإِذْنِ اللَّهِ لَا بِفِعْلِ الْكَوَاكِبِ وَإِنْ كَانَتِ الْعَادَةُ جَرَتْ بِوُقُوعِ الْمَطَرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَكِنْ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيرِهِ لَا صُنْعَ لِلْكَوَاكِبِ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ وَأَخْرَجَ بن خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوَكُّلِ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَفْظُهُ لَا عَدْوَى وَإِذَا رَأَيْتَ الْمَجْذُومَ فَفِرَّ مِنْهُ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ قَالَ عِيَاضٌ اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي الْمَجْذُومِ فَجَاءَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مَعَ مَجْذُومٍ وَقَالَ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ قَالَ فَذَهَبَ عُمَرُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى الْأَكْلِ مَعَهُ وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَنْ لَا نَسْخَ بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَحَمْلُ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَارُ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالْأَكْلُ مَعَهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ اه هَكَذَا اقْتَصَرَ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى حِكَايَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَحَكَى غَيْرُهُ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ التَّرْجِيحُ وَقَدْ سَلَكَهُ فَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا سَلَكَ تَرْجِيحَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيِ الْعَدْوَى وَتَزْيِيفِ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ مِثْلِ حَدِيثِ الْبَابِ فَأَعَلُّوهُ بِالشُّذُوذِ وَبِأَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عَنْهُ فَقَالَتْ مَا قَالَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ لَا عَدْوَى وَقَالَ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ قَالَتْ وَكَانَ لِي مَوْلًى بِهِ هَذَا الدَّاءُ فَكَانَ يَأْكُلُ فِي صِحَافِي وَيَشْرَبُ فِي أَقْدَاحِي وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِي وَبِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ تَرَدَّدَ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَيُؤْخَذُ الْحُكْمُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَبِأَنَّ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي نَفْيِ الْعَدْوَى كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ بِخِلَافِ الْأَخْبَارِ الْمُرَخِّصَةِ فِي ذَلِكَ وَمِثْلُ حَدِيثِ لَا تديموا النّظر إِلَى المجذومين وَقد أخرجه بن مَاجَهْ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَمِثْلُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَفَعَهُ كَلِّمِ الْمَجْذُومَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحَيْنِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ بِسَنَدٍ وَاهٍ وَمِثْلُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِمُعَيْقِيبٍ اجْلِسْ مِنِّي قَيْدَ رُمْحٍ وَمِنْ طَرِيقِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ نَحْوَهُ وَهُمَا أَثَرَانِ مُنْقَطِعَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ الشَّرِيدِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُذَامِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ طَرِيقَ التَّرْجِيحِ لَا يُصَارُ إِلَيْهَا إِلَّا مَعَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَهُوَ مُمْكِنٌ فَهُوَ أَوْلَى الْفَرِيقُ الثَّانِي سَلَكُوا فِي التَّرْجِيحِ عَكْسَ

الصفحة 159