كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجْذُومِينَ إِذَا كَثُرُوا هَلْ يُمْنَعُونَ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَالْمَجَامِعِ وَهَلْ يُتَّخَذُ لَهُمْ مَكَانٌ مُنْفَرِدٌ عَنِ الْأَصِحَّاءِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي النَّادِرِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَلَا فِي شُهُودِ الْجُمُعَةِ

(قَوْلُهُ بَابُ الْمَنِّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ شِفَاءٌ مِنَ الْعَيْنِ وَعَلَيْهَا شرح بن بَطَّالٍ وَيَأْتِي تَوْجِيهُهَا وَفِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بالمن فِي حَدِيث الْبَاب الصِّنْف الْمَخْصُوص وَمن الْمَأْكُولِ لَا الْمَصْدَرُ الَّذِي بِمَعْنَى الِامْتِنَانِ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْمَنِّ شِفَاءٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ أَنَّ الْكَمْأَةَ مِنْهُ وَفِيهَا شِفَاءٌ فَإِذَا ثَبَتَ الْوَصْفُ لِلْفَرْعِ كَانَ ثُبُوتُهُ لِلْأَصْلِ أَوْلَى

[5708] قَوْلُهُ عَن عبد الْملك هُوَ بن عُمَيْرٍ وَصَرَّحَ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ هُوَ الْمَخْزُومِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ قَوْلُهُ سَمِعْتُ سَعِيدَ بن زيد أَي بن عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيِّ أَحَدَ الْعَشَرَةِ وَعُمَرُ بن الْخطاب بن نفَيْل بن عَمِّ أَبِيهِ كَذَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَخَالَفَهُمْ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْهُ فَقَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنده وبن السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ وَقَالَ فِي الْعِلَلِ الصَّوَابُ رِوَايَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَالَ بن السَّكَنِ أَظُنُّ عَبْدَ الْوَارِثِ أَخْطَأَ فِيهِ وَقِيلَ كَانَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ تَزَوَّجَ أُمَّ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي وَأَرَادَ زَوْجَ أُمِّهِ مَجَازًا فَظَنَّهُ الرَّاوِي أَبَاهُ حَقِيقَةً قَوْلُهُ الْكَمْأَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الْعَامَّةِ مَنْ لَا يَهْمِزُهُ وَاحِدَةُ الْكَمْءِ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ ثمَّ همزَة مثل تَمْرَة وتمر وَعكس بن الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ الْكَمْأَةُ الْجَمْعُ وَالْكَمْءُ الْوَاحِدُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ وَلَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِهِمْ نَظِيرُ هَذَا سِوَى خَبْأَةٍ وَخَبْءٍ وَقِيلَ الْكَمْأَةُ قد تطلق على الْوَاحِد وَعَلَى الْجَمْعِ وَقَدْ جَمَعُوهَا عَلَى أَكْمُؤٍ قَالَ الشَّاعِرُ وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلَا وَالْعَسَاقِلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَقَافٍ وَلَامٍ الشَّرَابُ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَكْمُؤَ مَحَلُّ وِجْدَانِهَا الْفَلَوَاتُ وَالْكَمْأَةُ نَبَاتٌ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا سَاقَ تُوجَدُ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُزْرَعَ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِتَارِهَا يُقَالُ كَمَأَ الشَّهَادَةَ إِذَا كَتَمَهَا وَمَادَّةُ الكمأة من جَوْهَر أرضي بُخَارَى يَحْتَقِنُ نَحْوَ سَطْحِ الْأَرْضِ بِبَرْدِ الشِّتَاءِ وَيُنَمِّيهِ مَطَرُ الرَّبِيعِ فَيَتَوَلَّدُ وَيَنْدَفِعُ مُتَجَسِّدًا وَلِذَلِكَ كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يُسَمِّيهَا جُدَرِيَّ الْأَرْضِ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْجُدَرِيِّ مَادَّةً وَصُورَةً لِأَنَّ مَادَّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيَّةٌ تَنْدَفِعُ غَالِبًا عِنْدَ التَّرَعْرُعِ وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ وَنَمَاءِ الْقُوَّةِ وَمُشَابَهَتُهَا لَهُ فِي الصُّورَةِ ظَاهِرٌ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا الْكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الْحَدِيثَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ بن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَثُرَتِ الْكَمْأَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَامْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْ أَكْلِهَا وَقَالُوا هِيَ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ

الصفحة 163