كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

الْبَابِ مِنْ فَوْحِ بِالْوَاوِ وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِهِ فِي صِفَةِ النَّارِ بِلَفْظِ فَوْرِ بِالرَّاءِ بَدَلَ الْحَاءِ وَكُلُّهَا بِمَعْنًى وَالْمُرَادُ سُطُوعُ حَرِّهَا وَوَهَجِهِ وَالْحُمَّى أَنْوَاعٌ كَمَا سَأَذْكُرُهُ وَاخْتُلِفَ فِي نِسْبَتِهَا إِلَى جَهَنَّمَ فَقِيلَ حَقِيقَةً وَاللَّهَبُ الْحَاصِلُ فِي جِسْمِ الْمَحْمُومِ قِطْعَةٌ مِنْ جَهَنَّمَ وَقَدَّرَ اللَّهُ ظُهُورَهَا بِأَسْبَابٍ تَقْتَضِيهَا لِيَعْتَبِرَ الْعِبَادُ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ أَنْوَاعَ الْفَرَحِ وَاللَّذَّةِ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ أَظْهَرُهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ عِبْرَةٌ وَدَلَالَةٌ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيّ وَعَن بن مَسْعُودٍ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ الْحُمَّى حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ أَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ وَقِيلَ بَلِ الْخَبَرُ وَرَدَ مَوْرِدَ التَّشْبِيهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ حَرَّ الْحُمَّى شَبِيهٌ بَحَرِّ جَهَنَّمَ تَنْبِيهًا لِلنُّفُوسِ عَلَى شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ وَأَنَّ هَذِهِ الْحَرَارَةَ الشَّدِيدَةَ شَبِيهَةٌ بِفَيْحِهَا وَهُوَ مَا يُصِيبُ مَنْ قَرُبَ مِنْهَا مِنْ حَرِّهَا كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْإِبْرَادِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيُؤَيِّدهُ قَول بن عُمَرَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَا مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ لَمْ يَرْوِهِ من أَصْحَاب مَالك فِي الْمُوَطَّأ الا بن وهب وبن الْقَاسِمِ وَتَابَعَهُمَا الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ مَعْنٌ وَلَا القعْنبِي وَلَا أَبُو مُصعب وَلَا بن بكير انْتهى وَكَذَا قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي وَقَدْ أَخْرَجَهُ شَيْخُنَا فِي تَقْرِيبِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ ذُهُولُ مِنْهُ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى الْمُلَخَّصِ لِلْقَابِسِيِّ وَالْقَابِسِيُّ إِنَّمَا أَخْرَجَ الْمُلَخَّصُ من طَرِيق بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَهَذَا ثَانِي حَدِيثٍ عَثَرْتُ عَلَيْهِ فِي تَقْرِيبِ الْأَسَانِيدِ لِشَيْخِنَا عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ نَصِيحَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ دَاوُدَ وَلَمْ يُخرجهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[5723] قَوْلُهُ فَأَطْفِئُوهَا بِهَمْزَةِ قَطْعٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةِ أَمْرٍ بِالْإِطْفَاءِ وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ نَافِعٍ فِي صِفَةِ النَّارِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ فَأَبْرِدُوهَا وَالْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِهَا بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَالرَّاءُ مَضْمُومَةُ وَحُكِيَ كَسْرُهَا يُقَالُ بَرَدْتِ الْحُمَّى أَبْرُدُهَا بَرْدًا بِوَزْنِ قَتَلْتُهَا أَقْتُلُهَا قَتْلًا أَيْ أَسْكَنْتُ حَرَارَتَهَا قَالَ شَاعِرُ الْحَمَاسَةِ إِذَا وَجَدْتَ لَهَيْبَ الْحُبِّ فِي كَبِدِي أَقْبَلْتُ نَحْوَ سِقَاءِ الْقَوْمِ أَبْتَرِدُ هَبْنِي بَرَدْتُ بِبَرْدِ الْمَاءِ ظَاهِرَهُ فَمَنْ لِنَارٍ عَلَى الْأَحْشَاءِ تَتَّقِدُ وَحَكَى عِيَاضٌ رِوَايَةً بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ أَبْرَدَ الشَّيْءَ إِذَا عَالَجَهُ فَصَيَّرَهُ بَارِدًا مِثْلَ أَسْخَنَهُ إِذَا صَيَّرَهُ سُخْنَا وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ إِنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ قَوْلُهُ بِالْمَاءِ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد بن مَاجَهْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْد أَحْمد وَوَقع فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ كَمَا مَضَى فِي صِفَةِ النَّارِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَمْرَةَ بِالْجِيمِ قَالَ كنت أجالس بن عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ فَأَخَذَتْنِي الْحُمَّى وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ كنت أدفَع النَّاس عَن بن عَبَّاسٍ فَاحْتَبَسْتُ أَيَّامًا فَقَالَ مَا حَبَسَكَ قُلْتُ الْحُمَّى قَالَ أَبْرِدْهَا بِمَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ أَوْ بِمَاءِ زَمْزَمَ شَكَّ هَمَّامٌ كَذَا فِي رَاوِيَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي

الصفحة 175