كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا تَجُوزُ الرُّقْيَةُ إِلَّا مِنَ الْعَيْنِ وَاللَّدْغَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنِ اكْتَوَى مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْحَصْرِ فِيهِ أَنَّهُمَا أصل كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الرُّقْيَةِ فَيَلْتَحِقُ بِالْعَيْنِ جَوَازُ رُقْيَةِ مَنْ بِهِ خَبَلٌ أَوْ مَسٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهَا فِي كَوْنِهَا تَنْشَأُ عَنْ أَحْوَالٍ شَيْطَانِيَّةٍ مِنْ إِنْسِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ وَيَلْتَحِقُ بِالسُّمِّ كُلُّ مَا عَرَضَ لِلْبَدَنِ مِنْ قَرْحٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَوَادِّ السُّمِّيَّةِ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِثْلُ حَدِيثِ عِمْرَانَ وَزَادَ أَوْ دَمٍ وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقَى مِنَ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ وَالنَّمْلَةِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَالْأُذُنِ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَلَا تَعْلَمِينَ هَذِهِ يَعْنِي حَفْصَةَ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ وَالنَّمْلَةُ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْجَسَدِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَصْرِ مَعْنَى الْأَفْضَلِ أَيْ لَا رُقْيَةَ أَنْفَعُ كَمَا قِيلَ لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَقَالَ قَوْمٌ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنَ الرُّقَى مَا يَكُونُ قَبْلَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ وَالْمَأْذُونُ فِيهِ مَا كَانَ بَعْدَ وُقُوعِهِ ذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَبَرِ الَّذِي قُرِنَتْ فِيهِ التَّمَائِمُ بالرقى فَأخْرج أَبُو دَاوُد وبن ماجة وَصَححهُ الْحَاكِم من طَرِيق بن أخي زَيْنَب امْرَأَة بن مَسْعُود عَنْهَا عَن بن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ وَالتَّمَائِمُ جَمْعُ تَمِيمَةٍ وَهِيَ خَرَزٌ أَوْ قِلَادَةٌ تُعَلَّقُ فِي الرَّأْسِ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَدْفَعُ الْآفَاتِ وَالتِّوَلَةُ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ مُخَفَّفًا شَيْءٌ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَجْلِبُ بِهِ مَحَبَّةَ زَوْجِهَا وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ السِّحْرِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُمُ أَرَادُوا دَفْعَ الْمَضَارِّ وَجَلْبَ الْمَنَافِعِ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي بَابِ الْمَرْأَةِ تَرْقِي الرَّجُلَ مِنْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ يَنْفُثُ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ الْحَدِيثَ وَمضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ الْحَدِيثَ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ مَرْفُوعًا مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَتَحَوَّلَ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لُدِغْتُ اللَّيْلَةَ فَلَمْ أَنَمْ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّكَ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودَةٌ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الرُّقَى أَخَصُّ مِنَ التَّعَوُّذِ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي الرُّقَى مَشْهُورٌ وَلَا خِلَافَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْفَزَعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ فِي كُلِّ مَا وَقع وَمَا يتَوَقَّع وَقَالَ بن التِّينِ الرُّقَى بِالْمُعَوِّذَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ هُوَ الطِّبُّ الرُّوحَانِيُّ إِذَا كَانَ عَلَى لِسَانِ الْأَبْرَارِ مِنَ الْخَلْقِ حَصَلَ الشِّفَاءُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمَّا عَزَّ هَذَا النَّوْعُ فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الطِّبِّ الْجُسْمَانِيِّ وَتِلْكَ الرُّقَى الْمَنْهِيُّ عَنْهَا الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْمُعَزِّمُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَدَّعِي تَسْخِيرَ الْجِنِّ لَهُ فَيَأْتِي بِأُمُورٍ مُشْتَبِهَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ يَجْمَعُ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ مَا يَشُوبُهُ مِنْ ذِكْرِ الشَّيَاطِينِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ وَالتَّعَوُّذُ بِمَرَدَتِهِمْ وَيُقَالُ إِنَّ الْحَيَّةَ لِعَدَاوَتِهَا لِلْإِنْسَانِ بِالطَّبْعِ تُصَادِقُ الشَّيَاطِينَ لِكَوْنِهِمْ أَعْدَاءَ بَنِي آدَمَ فَإِذَا عَزَّمَ عَلَى الْحَيَّةِ بِأَسْمَاءِ الشَّيَاطِينِ أَجَابَتْ وَخَرَجَتْ مِنْ مَكَانِهَا وَكَذَا اللَّدِيغُ إِذَا رُقِيَ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ سَالَتْ سَمُومُهَا مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَلِذَلِكَ كُرِهَ مِنَ الرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ خَاصَّةً وَبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي يُعْرَفُ مَعْنَاهُ لِيَكُونَ بَرِيئًا مِنَ الشِّرْكِ وَعَلَى كَرَاهَةِ الرُّقَى بِغَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ عُلَمَاءُ الْأَمَةِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الرُّقَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا كَانَ يُرْقَى بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ

الصفحة 196