كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

(قَوْلُهُ بَابُ رُقْيَةِ الْعَيْنِ)
أَيْ رُقْيَةِ الَّذِي يُصَابُ بِالْعَيْنِ تَقُولُ عِنْتَ الرَّجُلَ أَصَبْتَهُ بِعَيْنِكَ فَهُوَ مَعِينٌ وَمَعْيُونٌ وَرَجُلٌ عَائِنٌ وَمِعْيَانٌ وَعَيُونٌ وَالْعَيْنُ نَظَرٌ بِاسْتِحْسَانٍ مَشُوبٍ بِحَسَدٍ مِنْ خَبِيثِ الطَّبْعِ يَحْصُلُ لِلْمَنْظُورِ مِنْهُ ضَرَرٌ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ الْعين حق ويحضرها الشَّيْطَان وحسد بن آدَمُ وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَقَالَ كَيْفَ تَعْمَلُ الْعَيْنُ مِنْ بُعْدٍ حَتَّى يَحْصُلَ الضَّرَرُ لِلْمَعْيُونِ وَالْجَوَابُ أَنَّ طَبَائِعَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ سُمٍّ يَصِلُ مِنْ عَيْنِ الْعَائِنِ فِي الْهَوَاءِ إِلَى بَدَنِ الْمَعْيُونِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ مَنْ كَانَ مِعْيَانًا أَنَّهُ قَالَ إِذَا رَأَيْتَ شَيْئًا يُعْجِبُنِي وَجَدْتُ حَرَارَةً تَخْرُجُ مِنْ عَيْنِي وَيَقْرَبُ ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ الْحَائِضِ تَضَعُ يَدَهَا فِي إِنَاءِ اللَّبَنِ فَيَفْسُدُ وَلَوْ وَضَعَتْهَا بَعْدَ طُهْرِهَا لَمْ يُفْسِدْ وَكَذَا تَدْخُلُ الْبُسْتَانَ فَتَضُرُّ بِكَثِيرٍ مِنَ الْغُرُوسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّهَا يَدُهَا وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيحَ قَدْ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنِ الرَّمْدَاءِ فَيَرْمَدُ وَيَتَثَاءَبُ وَاحِدٌ بِحَضْرَتِهِ فَيَتَثَاءَبُ هُوَ أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن بَطَّالٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْعَيْنِ تَأْثِيرا فِي النُّفُوس وَإِبْطَال قَول الطبائيعين أَنَّهُ لَا شَيْءَ إِلَّا مَا تُدْرِكُ الْحَوَاسُّ الْخَمْسُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ زَعَمَ بَعْضُ الطَّبَائِعِيِّينَ أَنَّ الْعَائِنَ يَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ فَيَهْلِكُ أَوْ يَفْسُدُ وَهُوَ كَإِصَابَةِ السُّمِّ مَنْ نَظَرَ الْأَفَاعِيَ وَأَشَارَ إِلَى مَنْعِ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ مَعَ تَجْوِيزِهِ وَأَنَّ الَّذِي يَتَمَشَّى عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَيْنَ إِنَّمَا تَضُرُّ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَحْدُثَ الضَّرَرُ عِنْدَ مُقَابَلَةِ شَخْصٍ لِآخَرَ وَهَلْ ثَمَّ جَوَاهِرُ خَفِيَّةٌ أَوْ لَا هُوَ أَمْرٌ مُحْتَمَلٌ لَا يُقْطَعُ بِإِثْبَاتِهِ وَلَا نَفْيِهِ وَمَنْ قَالَ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَصْحَاب الطبائع بِالْقطعِ بِأَنَّ جَوَاهِرَ لَطِيفَةً غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ تَنْبَعِثُ مِنَ الْعَائِنِ فَتَتَّصِلُ بالْمَعْيُونِ وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَ جِسْمِهِ فَيَخْلُقُ الْبَارِي الْهَلَاك عِنْدهَا كَمَا يخلق الْهَلَاك عِنْد شرب السُّمُومِ فَقَدْ أَخْطَأَ بِدَعْوَى الْقَطْعِ وَلَكِنْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَادَةً لَيْسَتْ ضَرُورَةً وَلَا طَبِيعَةً اه وَهُوَ كَلَام سديد وَقد بَالغ بن الْعَرَبِيّ فِي إِنْكَاره قَالَ ذهبت الفلاسفة إلىان الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ صَادِرَةٌ عَنْ تَأْثِيرِ النَّفْسِ بِقُوَّتِهَا فِيهِ فَأَوَّلُ مَا تُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهَا ثُمَّ تُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهَا وَقِيلَ إِنَّمَا هُوَ سُمٌّ فِي عَيْنِ الْعَائِنِ يُصِيبُ بِلَفْحِهِ عِنْدَ التَّحْدِيقِ إِلَيْهِ كَمَا يُصِيبُ لَفْحُ سُمِّ الْأَفْعَى مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ ثُمَّ رُدَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَخَلَّفَتِ الْإِصَابَةُ فِي كُلِّ حَالٍ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ وَالثَّانِي بِأَنَّ سُمَّ الْأَفْعَى جُزْءٌ مِنْهَا وَكُلُّهَا قَاتِلٌ وَالْعَائِنُ لَيْسَ يَقْتُلُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمُ إِلَّا نَظَرُهُ وَهُوَ مَعْنًى خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ إِلَيْهِ وَإِعْجَابِهِ بِهِ إِذَا شَاءَ مَا شَاءَ مِنْ أَلْمٍ أَو هلكة وَقد يصرفهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ إِمَّا بِالِاسْتِعَاذَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا وَقَدْ يَصْرِفُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِالرُّقْيَةِ أَوْ بِالِاغْتِسَالِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ اه كَلَامُهُ وَفِيهِ بَعْضُ مَا يُتَعَقَّبُ فَإِنَّ الَّذِي مَثَّلَ بِالْأَفْعَى لَمْ يُرِدْ أَنَّهَا تُلَامِسُ الْمُصَابَ حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ مِنْ سُمِّهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ جِنْسًا مِنَ الْأَفَاعِي اشْتُهِرَ أَنَّهَا إِذَا وَقَعَ بَصَرُهَا عَلَى الْإِنْسَانِ هَلَكَ فَكَذَلِكَ الْعَائِنُ وَقَدْ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ الْمَاضِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَبْتَرِ وَذِي الطُّفْيَتَيْنِ قَالَ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ وَلَيْسَ مُرَادُ الْخَطَّابِيِّ بِالتَّأْثِيرِ الْمَعْنَى الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْفَلَاسِفَةُ بَلْ مَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ مِنْ حُصُولِ الضَّرَرِ لِلْمَعْيُونِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ بَعْدَ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدْرِهِ بِالنَّفْسِ قَالَ الرَّاوِي يَعْنِي بِالْعَيْنِ وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِوُجُودِ كَثِيرٍ مِنَ الْقُوَى وَالْخَوَاصِّ فِي الْأَجْسَامِ وَالْأَرْوَاحِ كَمَا يَحْدُثُ لِمَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ مَنْ يَحْتَشِمُهُ مِنَ الْخَجَلِ فَيَرَى فِي وَجْهِهِ حُمْرَةً شَدِيدَةً لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَذَا الِاصْفِرَارُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مِنْ يَخَافُهُ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَسْقَمُ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ إِلَيْهِ وَتَضْعُفُ قُوَاهُ وَكُلُّ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ مَا خَلَقَ

الصفحة 200