كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

تَمَسَّكَ بِهَذَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعُمْدَةَ لِمَنْ وَصَلَ عَلَى مَنْ أَرْسَلَ لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى تَصْحِيحِ الْمَوْصُولِ هُنَا عَلَى الْمُرْسَلِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُمَا لَيْسَ لَهُمَا فِي تَقْدِيمِ الْوَصْلِ عَمَلٌ مُطَّرِدٌ بَلْ هُوَ دَائِرٌ مَعَ الْقَرِينَةِ فَمَهْمَا تَرَجَّحَ بِهَا اعْتَمَدَاهُ وَإِلَّا فَكَمْ حَدِيثٍ أَعْرَضَا عَنْ تَصْحِيحِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ عُرْوَةَ هَذَا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَسَقَطَ مِنْ رِوَايَتِهِ ذِكْرُ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ مَالك وبن عُيَيْنَةَ وَسَمَّى جَمَاعَةً كُلَّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَلَمْ يُجَاوِزَا بِهِ عُرْوَةَ وَتَفَرَّدَ أَبُو مُعَاوِيَةَ بِذِكْرِ أُمِّ سَلَمَةَ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الطَّرِيقِ لِانْفِرَادِ الْوَاحِدِ عَنِ الْعَدَدِ الْجَمِّ وَإِذَا انْضَمَّتْ هَذِهِ الطَّرِيقُ إِلَى رِوَايَةِ الزُّبَيْدِيِّ قَوِيَتْ جِدًّا وَاللَّهُ أعلم

(قَوْلُهُ بَابُ الْعَيْنِ حَقٌّ)
أَيِ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ شَيْءٌ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ أَوْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَحَقَّقَ كَوْنُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ أَخَذَ الْجُمْهُورُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَنْكَرَهُ طَوَائِفُ الْمُبْتَدِعَةِ لِغَيْرِ مَعْنًى لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَيْسَ مُحَالًا فِي نَفْسِهِ وَلَا يُؤَدِّي إِلَى قَلْبِ حَقِيقَةٍ وَلَا إِفْسَادِ دَلِيلٍ فَهُوَ مِنْ مُتَجَاوِزَاتِ الْعُقُولِ فَإِذَا أَخْبَرَ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ لَمْ يَكُنْ لِإِنْكَارِهِ مَعْنًى وَهَلْ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ إِنْكَارِهِمْ هَذَا وَإِنْكَارِهِمْ مَا يخبر بِهِ من أُمُور الْآخِرَة

[5740] قَوْلُهُ الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ لَمْ تَظْهَرِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ فَكَأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ مُسْتَقِلَّانِ وَلِهَذَا حَذَفَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ رِوَايَتِهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ جِهَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكُهُمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحْدِثُ فِي الْعُضْوِ لَوْنًا غَيْرَ لَوْنِهِ الْأَصْلِيِّ وَالْوَشْمُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ أَنْ يَغْرِزَ إِبْرَةً أَوْ نَحْوَهَا فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْبَدَنِ حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ ثُمَّ يُحْشَى ذَلِكَ الْمَوْضِعُ بِالْكُحْلِ أَوْ نَحْوِهِ فَيَخْضَرُّ وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ فِي بَابِ الْمُسْتَوْشِمَةِ مِنْ أَوَاخِرِ كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ظَهَرَتْ لِي مُنَاسَبَةٌ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ لَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْبَاعِثِ عَلَى عَمَلِ الْوَشْمِ تَغَيُّرُ صِفَةِ الْمَوْشُومِ لِئَلَّا تُصِيبَهُ الْعَيْنُ فَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ مَعَ إِثْبَاتِ الْعَيْنِ وَأَنَّ التَّحَيُّلَ بِالْوَشْمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَسْتَنِدُ إِلَى تَعْلِيمِ الشَّارِعِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَأَنَّ الَّذِي قَدَّرَهُ الله سيقع وَأخرج مُسلم من حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا فَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْأُولَى فَفِيهَا تَأْكِيدٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى سُرْعَةِ نُفُوذِهَا وَتَأْثِيرِهِ فِي الذَّاتِ وَفِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ أَنَّ قَوْلَهُ الْعَيْنُ حَقٌّ يُرِيدُ بِهِ الْقَدَرَ أَيِ الْعَيْنَ الَّتِي تَجْرِي مِنْهَا الْأَحْكَامُ فَإِنَّ عَيْنَ الشَّيْءِ حَقِيقَتُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يُصِيبُ مِنَ الضَّرَرِ بِالْعَادَةِ عِنْدَ نَظَرِ النَّاظِرِ إِنَّمَا هُوَ بِقَدَرِ اللَّهِ السَّابِقِ لَا بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ النَّاظِرُ فِي الْمَنْظُورِ وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْقَدَرِ وَبَيْنَ الْعَيْنِ وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَيْنَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْدُورِ لَكِنْ ظَاهِرُهُ إِثْبَاتُ الْعَيْنِ الَّتِي تُصِيبُ إِمَّا بِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنْ ذَلِكَ وَأَوْدَعَهُ فِيهَا وَإِمَّا بِإِجْرَاءِ الْعَادَةِ بِحُدُوثِ الضَّرَرِ عِنْدَ تَحْدِيدِ النَّظَرِ وَإِنَّمَا جَرَى الْحَدِيثُ مَجْرَى الْمُبَالَغَةِ فِي إِثْبَاتِ الْعَيْنِ لَا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّ الْقَدَرَ شَيْءٌ

الصفحة 203