كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

فِي قصَّة بن صَيَّادٍ وَبَيَانُ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي قَوْلِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا زَمْزَمَةٌ وَأُطْلِقَ عَلَى الْكَاهِنِ وَلِيُّ الْجِنِّيِّ لِكَوْنِهِ يُوَالِيهِ أَوْ عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ الْكَاهِنَ إِلَى قَوْلِهِ وَلِيَّهُ لِلتَّعْمِيمِ فِي الْكَاهِنِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يُوَالِي الْجِنَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ إِصَابَةَ الْكَاهِنِ أَحْيَانًا إِنَّمَا هِيَ لِأَنَّ الْجِنِّيَّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي يَسْمَعُهَا اسْتِرَاقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيَزِيدُ عَلَيْهَا أَكَاذِيبَ يَقِيسُهَا عَلَى مَا سَمِعَ فَرُبمَا أصَاب نَادرا وخطؤه الْغَالِبُ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ يَعْنِي الطَّائِرَ الْمَعْرُوفَ وَدَالُهَا مُثَلَّثَةٌ وَالْأَشْهَرُ فِيهَا الْفَتْحُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الزُّجَاجَةُ بِالزَّايِ الْمَضْمُومَةِ وَأَنْكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَدَّهَا فِي التَّصْحِيفِ لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ تَقَدَّمَ فِي بَابِ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ فَيُقِرُّهَا فِي أُذُنِهِ كَمَا تَقَرُّ الْقَارُورَةُ وَشَرَحُوهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا يُسْمَعُ صَوْتُ الزُّجَاجَةِ إِذَا حَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ أَوْ أُلْقِيَ فِيهَا شَيْءٌ وَقَالَ الْقَابِسِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ لِمَا يُلْقِيهِ الْجِنِّيُّ إِلَى الْكَاهِنِ حِسٌّ كَحِسِّ الْقَارُورَةِ إِذَا حُرِّكَتْ بِالْيَدِ أَوْ عَلَى الصَّفَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُطْبَقُ بِهِ كَمَا يُطْبَقُ رَأْسُ الْقَارُورَةِ بِرَأْسِ الْوِعَاءِ الَّذِي يُفْرَغُ فِيهِ مِنْهَا مَا فِيهَا وَأَغْرَبَ شَارِحُ المصابيح النوربشتي فَقَالَ الرِّوَايَةُ بِالزَّايِ أَحْوَطُ لِمَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ وَاسْتِعْمَالُ قَرَّ فِي ذَلِكَ شَائِعٌ بِخِلَافِ مَا فَسَرُّوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ شَاهِدًا فِي كَلَامِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالدَّالِ تَصْحِيفٌ أَوْ غَلَطٌ مِنَ السَّامِعِ وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ فَقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ قَرَّ الدَّجَاجَةِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَفِيهِ مَعْنَى التَّشْبِيهِ فَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَ إِيرَادُ مَا اخْتَطَفَهُ مِنَ الْكَلَامِ فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ بِصَبِّ الْمَاءِ فِي الْقَارُورَةِ يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَ تَرْدِيدُ الْكَلَامِ فِي أُذُنِهِ بِتَرْدِيدِ الدَّجَاجَةِ صَوْتَهَا فِي أُذُنِ صَوَاحِبَاتِهَا وَهَذَا مُشَاهَدٌ تَرَى الدِّيكَ إِذَا رَأَى شَيْئًا يُنْكِرُهُ يُقَرْقِرُ فَتَسْمَعُهُ الدَّجَاجُ فَتَجْتَمِعُ وَتُقَرْقِرُ مَعَهُ وَبَابُ التَّشْبِيهِ وَاسِعٌ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْعَلَاقَةِ غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِطَافَ مُسْتَعَارٌ لِلْكَلَامِ مِنْ فِعْلِ الطَّيْرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ فَيَكُونُ ذِكْرُ الدَّجَاجَةِ هُنَا أَنْسَبَ مِنْ ذِكْرِ الزُّجَاجَةِ لِحُصُولِ التَّرْشِيحِ فِي الِاسْتِعَارَةِ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ دَعْوَى الدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ إِمَامُ الْفَنِّ أَنَّ الَّذِي بِالزَّايِ تَصْحِيفٌ وَإِنْ كُنَّا مَا قَبِلْنَا ذَلِكَ فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ أَرْجَحَ قَوْلُهُ فَيَخْلِطُونَ مَعهَا مائَة كذبة فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمِائَةِ لِلْمُبَالَغَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْعَدَدِ وَقَوْلُهُ كَذْبَةٍ هُنَا بِالْفَتْحِ وَحُكِيَ الْكَسْرُ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْهَيْئَةِ وَالْحَالَةِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَصْلَ تَوَصُّلِ الْجِنِّيِّ إِلَى الِاخْتِطَافِ فَأَخْرَجَ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ بَيْنَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ إِذَا رُمِيَ مِثْلُ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ فَقَالَ إِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ رَبَّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ إِلَى أَهْلِ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَيُخْبِرُونَهُمْ حَتَّى يَصِلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَرِقُ مِنْهُ الْجِنِّيُّ فَمَا جاؤوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يَزِيدُونَ فِيهِ وَيَنْقُصُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سَبَأٍ وَغَيْرِهَا بَيَانُ كَيْفِيَّتِهِمْ عِنْدَ اسْتِرَاقِهِمْ وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسَّحَابِ السَّمَاءَ كَمَا أَطْلَقَ السَّمَاءَ عَلَى السَّحَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ بَعْضَ الْمَلَائِكَةِ إِذَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ إِلَى الْأَرْضِ تَسْمَعُ مِنْهُمُ الشَّيَاطِينُ أَوِ الْمُرَادُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلَةُ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ قَوْلُهُ قَالَ عَلِيٌّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُرْسَلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الْحَقِّ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنه أسْندهُ بعد على هَذَا هُوَ بن الْمَدِينِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَمُرَادُهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كَانَ يُرْسِلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْحَدِيثِ ثُمَّ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلَهُ

الصفحة 220