كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 10)

رِوَايَتِهِ مَرَّتَيْنِ فَيَبْعُدُ مِنَ الْوَهْمِ وَزَادَ ذِكْرَ النُّشْرَةِ وَجَعَلَ جَوَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا بِلَا بَدَلًا عَنِ الِاسْتِخْرَاجِ قَالَ وَيَحْتَمَلُ وَجْهًا آخَرَ فَذَكَرَ مَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ الِاسْتِخْرَاجَ الْمَنْفِيَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرُ الِاسْتِخْرَاجِ الْمُثْبَتِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَالْمُثْبَتُ هُوَ اسْتِخْرَاجُ الْجُفِّ وَالْمَنْفِيُّ اسْتِخْرَاجُ مَا حَوَاهُ قَالَ وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَرَاهُ النَّاسُ فَيَتَعَلَّمُهُ مَنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ السِّحْرِ قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ فَاسْتَخْرَجَ جُفَّ طَلْعَةٍ مِنْ تَحْتِ رَاعُوفَةٍ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَأَخْرَجُوهُ فَرَمَوْا بِهِ وَفِي مُرْسَلِ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ الَّذِي اسْتَخْرَجَ السِّحْرَ قَيْسُ بْنُ مُحَصِّنٍ وكُلُّ هَذَا لَا يُخَالِفُ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ لَكِنْ فِي آخِرِ رِوَايَةِ عَمْرَةَ وَفِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ وَجَدُوا وَتَرًا فِيهِ عُقَدٌ وَأَنَّهَا انْحَلَّتْ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِاسْتِكْشَافِ مَا كَانَ دَاخِلَ الْجُفِّ فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَقُدِحَ فِي الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ لَا يَخْلُو إِسْنَاد كل مِنْهُمَا من ضعف تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ مُخَالَفَةٌ فِي لَفْظَةٍ أُخْرَى فَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُ أَفَلَا أَخْرَجْتَهُ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَقَافٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ كَأَنَّهَا طَلَبَتْ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ ثُمَّ يُحَرِّقُهُ قُلْتُ لَكِنْ لَمْ يَقَعَا مَعًا فِي رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا وَقَعَتِ اللَّفْظَةُ مَكَانَ اللَّفْظَةِ وَانْفَرَدَ أَبُو كُرَيْبٍ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ فَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ رِوَايَتَهُ شَاذَّةٌ وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فَجَعَلَ الضَّمِيرَ فِي أَحْرَقْتُهُ لِلَبِيدِ بْنِ أَعْصَمَ قَالَ وَاسْتَفْهَمَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى مَا صَنَعَ مِنَ السِّحْرِ فَأَجَابَهَا بِالِامْتِنَاعِ وَنَبَّهَ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ خَوْفُ وُقُوعِ شَرٍّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ لِأَجْلِ الْعَهْدِ فَلَوْ قَتَلَهُ لَثَارَتْ فِتْنَةٌ كَذَا قَالَ وَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَعَيُّنِ قَتْلِهِ بِالْإِحْرَاقِ وَإِنْ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الرِّوَايَةَ ثَابِتَةٌ وَأَنَّ الضَّمِيرَ لَهُ قَوْلُهُ قَالَتْ فَقُلْتُ أَفَلَا أَيْ تَنَشَّرْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلَّا قَالَ سُفْيَانُ بِمَعْنَى تَنَشَّرْتُ فَبَيَّنَ الَّذِي فَسَّرَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا أَفَلَا كَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرِ اللَّفْظَة فَذكره بِالْمَعْنَى وَظَاهر هَذَا اللَّفْظَة أَنَّهُ مِنَ النُّشْرَةِ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَوْ أَنَّكَ تَعْنِي تُنَشَّرُ وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ النُّشْرَةَ فِي التَّرْجَمَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّشْرِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ فَيُوَافِقُ رِوَايَة من رَوَاهُ بِلَفْظ فَهَلا أخرجته وَيكون لَفْظِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَلَّا اسْتَخْرَجْتَ وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَخْرَجِ مَا حَوَاهُ الْجُفُّ لَا الْجُفُّ نَفْسُهُ فَيَتَأَيَّدُ الْجَمْعُ الْمُقَدَّمُ ذكره تَكْمِيل قَالَ بن الْقَيِّمِ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ وَأَقْوَى مَا يُوجَدُ مِنَ النُّشْرَةِ مُقَاوَمَةُ السِّحْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَأْثِيرَاتِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ بِالْأَدْوِيَةِ الْإِلَهِيَّةِ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ فَالْقَلْبُ إِذَا كَانَ مُمْتَلِئًا مِنَ اللَّهِ مَعْمُورًا بِذِكْرِهِ وَلَهُ وِرْدٌ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوَجُّهِ لَا يُخِلُّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ مِنْ إِصَابَةِ السِّحْرِ لَهُ قَالَ وَسُلْطَانُ تَأْثِيرِ السِّحْرِ هُوَ فِي الْقُلُوبِ الضَّعِيفَةِ وَلِهَذَا غَالِبُ مَا يُؤَثِّرُ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْجُهَّالِ لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ الْخَبِيثَةَ إِنَّمَا تَنْشَطُ عَلَى أَرْوَاحٍ تَلْقَاهَا مُسْتَعِدَّةً لِمَا يُنَاسِبُهَا انْتَهَى مُلَخَّصًا وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَجَوَازُ السِّحْرِ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَظِيمِ مَقَامِهِ وَصِدْقِ تَوَجُّهِهِ وَمُلَازَمَةِ وِرْدِهِ وَلَكِنْ يُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَأَنَّ مَا وَقَعَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَيَانِ تَجْوِيزِ ذَلِك وَالله أعلم

الصفحة 235